الكاتب: توبي دودج |
تاريخ النشر: يناير، 2004 5 |
الناشر: مركز الخليج للأبحاث |
نوع الإصدار: أوراق فعاليات مركز الخليج للأبحاث |
نحو سياسة أوروبية مستدامة في العراق
ر.س 0,00
ملخص: من الصعب أن نكون مبالغين في تقديرنا للمخاطر في العراق اليوم. ففي البدء كان يُفترض في احتلاله وتحويل أوضاعه أن يمثلا نقطة فارقة في فترة رئاسة جورج بوش. غير أن الطريقة التي أعلن بها الرئيس الأمريكي أمام العالم عن مشروع المحافظين الجدد هذا، أكثر من طبيعة المشروع نفسه، أبعدت كثيرين من اللاعبين الدوليين عن مركز اللعبة السياسية الدولية. فالحكومات والمجتمعات على حد سواء في روسيا وفرنسا وألمانيا وكثير من الدول الأوروبية قابلت غزو العراق بالشك والريبة، إن لم يكن بمشاعر الكراهية الصريحة.
وأياً ما تكن الدوافع وراء تغيير النظام وردود الفعل الأوروبية على ذلك، فقد ثبت بجلاء واضح اليوم أن الإطاحة بنظام صدام حسين هي البداية وليست النهاية لعملية احتلال وبناء للدولة طويلة وغير مضمونة بالمرة. فقد اجتمعت الحماسة الايديولوجية وعدم كفاية التخطيط وسوء فهم الدولة والمجتمع العراقيين لتثبت أن تداعيات الحرب أكثر إشكالاً بكثير من تغيير النظام نفسه، حيث تواجه القوات الأمريكية حالة من التمرد أخذت في نوفمبر تنتشر جغرافياً وترتفع وتيرة عنفها وتتسع دائرة دمارها.
وحين نأخذ بعين الاعتبار الضغائن الدبلوماسية والكراهية السياسية التي قابلت الغزو في أرجاء أوروبا، نجد أن قدراً معيناً من الشماتة والتشفي بما يحدث في العراق كان متوقعاً. غير أنه لا بد من إدراك أن فشل المحاولات الأمريكية في استبدال نظام صدام حسين بحكومة ليبرالية مستقرة يمكن أن تكون له عواقب كارثية تتجاوز بكثير حدود المنطقة والولايات المتحدة. فإذا كان الساحة العراقية مضطربة بسبب ما تشهده من أعمال عنف، بما يمثله من جسر بين دول الشرق غير الخليجية ودول مجلس التعاون، فإنه سيقوض الاستقرار الداخلي والإقليمي الهش أصلاً في الدول المحيطة وما وراءها من مناطق. فالعراق حينها سيعمل عمل المغناطيس في جذب الإسلاميين الأصوليين في أنحاء العالم الإسلامي المتحمسين لقتال القوات الأمريكية، حيث إنها توجد في أكثر الأماكن عرضة للوقوع بيد خصومها، على أرض الشرق الأوسط. ومع هذه الفوضى المتصاعدة سيتم إقحام الدول المجاورة إلى داخل هذا البلد لتتنافس على النفوذ، مستخدمة وكلاء عراقيين لتعزيز مصالح أنظمتها عن طريق اللجوء إلى استخدام وسائل العنف. ولو أجرينا مقارنة عامة بين هذا الوضع والحرب الأهلية اللبنانية، وإن كان الوضع العراقي أصعب على الاحتواء بكثير، نرى أن عراقاً بلا حكومة سيكون له المستوى نفسه من تهديد مصالح جميع القوى الأوروبية أياً كان موقفها من الحرب التي خلّفت هذا الوضع.
وفي وجه العنف المتصاعد واستشراء مشاعر الاغتراب الاجتماعي، تواجه سلطات الاحتلال مجموعة معقدة من المهام يتعذر عليها بالتأكيد القيام بها دون تقديم مساعدة دولية، أي أوروبية، أكبر مما يتم تقديمه بكثير. ولإعطاء المجال لأي فرصة في النجاح لا بد أن تتحول هذه القضية برمتها وبسرعة وفاعلية إلى قضية متعددة الأطراف. فقد اتضح منذ إبريل أن أمريكا وحدها لا تملك الخبرة الكافية لبناء الدولة، ولا إعداد القوات، أو، في الحقيقة، الموارد المالية اللازمة لإعادة إعمار العراق وضمان استقراره على المدى الطويل. ومن دون الانخراط الفاعل للمجتمع الدولي لن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن هذه الحلقة المفرغة المتمثلة في العنف المتصاعد والاغتراب الاجتماعي والتكاليف البشرية والمالية المتزايدة. وبينما نجد كثيراً من المعارضة لاحتلال جديد متعدد الأطراف للعراق في واشنطن، نجد أيضاً قدراً كبيراً من الكراهية في العواصم الأوروبية الرئيسية. وإذا استمر الطرفان، الإدارة الأمريكية في واشنطن والدول الأوروبية الرئيسية، في إغلاق الطريق أمام نهج متعدد الأطراف تجاه العراق، فإن هذا البلد سينـزلق في مستنقع الفوضى والعنف. وهذه المحصلة، وهي المرجَّحة في الوقت الراهن، ستضر بمصالح كل القوى الكبرى، وليس باحتمالات إعادة انتخاب جورج بوش فحسب