مركز الخليج للأبحاث

روسيا: الدولة القلقة

image_pdfimage_print

قبل عدة أيام القى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة في منتدى مجلس الشعب الروسي العالمي في دورته العاشرة تكشف حالة القلق التي تعيشها روسيا تجاه مؤامرات تدبر لها لتفكيكها كما حدث للاتحاد السوفيتي. ولكن قبل مناقشة ما جاء في حديث الرئيس الروسي نشير إلى أن مجلس أو جمعية الشعب الروسي العالمية التي يرأسها البطريرك كيريل راعي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية هي عبارة عن كيان أسسته الكنيسة بالتعاون مع جمعيات روسية في 1993 كرد فعل على حالة الاضطراب التي كانت روسيا تعيشها آنذاك نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي من أجل تأكيد وحدة الشعوب الروسية أمام مخاطر تفكك آخر لروسيا حينئذ.

واليوم ورغم مرور أكثر من ثلاثين عام على تفكك الاتحاد السوفيتي، وإعادة إحياء روسيا وظهورها قوة كبرى على الساحة الدولية نجد أن حديث الرئيس الروسي يعبر عن حالة قلق مستمرة وخشية على روسيا وبقائها دولة مستقلة، فهي لا تزال تواجه الغرب الذي يسعى- حسب بوتين- إلى تقطيع أوصالها ونهبها، إما من خلال القوة أو بزرع الفتنة بين شعوبها.

ويٌذكِر بوتين المشاركين في المنتدى من القيادات الروسية والتي تمثل كافة شرائح المجتمع وقومياته ومنظماته بأحداث ثورة 1917 والحرب الأهلية اللاحقة وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 وما صاحب تلك الأحداث من حسابات خاطئة وأوهام انفصالية، واضعاف للسلطة المركزية، وسياسة تقسيم سري مصطنع للأمة الروسية الكبيرة إلى ثالوث: الروس والبيلاروس (الروس البيض) والأوكرانيين، ويحذرهم بأن لا ينسوا تلك الأخطاء، فالجروح بسبب تلك الأخطاء لم تلتئم بعد.

 يكرر بوتين استخدام مفردة السيادة بشكل ملفت؛ فروسيا تكافح من أجل السيادة،  وعليها تعزيز سيادتها كقوة عالمية وتحقق التنمية السيادية للبلاد واقتصادها، وأن تتمتع الشركات الوطنية بالسيادة وتتخلص من الاعتماد على مكونات النظام العالمي الحالي، ويعِد بوتين بدعم الحكومة لمشاريع ريادة الأعمال الوطنية السيادية، ويؤكد بأنه وبدون روسيا ذات سيادة وقوية فلا يمكن إقامة نظام دولي دائم ومستقر، ولذلك ومن أجل سيادتها فإن المعركة التي تخوضها روسيا اليوم – حسب بوتين- هي معركة تحرر وطني.

في معركة التحرر الوطني هذه يمنح بوتين دوراً مركزياً للكنيسة الأرثوذكسية ، فرغم أن الدستور يفصل بين الدولة والكنيسة فقد تطورت في روسيا علاقة فريدة بينهما، كما لا يمكن الفصل بين الكنيسة والمجتمع الروسي، ولذلك فدورها محوري في المحافظة على القيم الروحية والأخلاقية والعائلية. 

ويعيد بوتين التذكير بأن الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين ومن أجل استنهاض شعبه وتعبئتهم خلال الحرب العالمية الثانية لجاء في خطابه لله والدين والقيم، ويرى بوتين أن هذا واقع لا يمكن استئصال؛ فالدين والتقاليد هي جوهر روسيا وتمثل ركيزة لمسيرة روسيا نحو المستقبل.

هناك احتمال أن استخدام بوتين لمفردات السيادة والاستقلال والقيم الروحية هو مجرد توظيف سياسي لضمان دعم الشعب الروسي لنظامه وسياساته الداخلية والخارجية، وخاصة حربه في أوكرانيا وما ترتب عليها من خسائر بشرية وتكلفة مادية كبيرة، وجعلهم يعيشون حالة قلق وخوف دائمين من تهديدات و مؤامرات يحيكها الغرب اللاأخلاقي ضد روسيا، إلا أن تكرار استخدام هذه المفردات واستحضارها في كل مناسبة يجعلها تتحول إلى مكونٍ ثابت في نسقه العقدي الذي ينظر من خلاله لروسيا وللعالم.

وهنا يصبح السؤال مشروعاً عن قدرة روسيا القلقة على سيادتها وعلى بقائها دولة مستقلة، وتلعب الكنيسة دوراً محورياً في “معركتها الوجودية” لتصبح قوة كبرى وأحد أقطاب نظام دولي”علماني” تبشر هي والصين دائماً بقرب ظهوره ليكون بديلاً عن النظام الدولي الراهن الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة؟  هل يمكن لروسيا أن تكون ركناً اساسياً في هذا النظام الدولي البديل وهي لا تزال تخوض معركة تحرر وطني كما يقول بوتين؟

Scroll to Top