مركز الخليج للأبحاث

حرب غزة: حدود التحول في الرأي العام الغربي

image_pdfimage_print

إحدى أبرز نتائج عدوان إسرائيل على غزة وصور قتل الأطفال وتدمير المستشفيات والترحيل القسري لأكثر من مليون مواطن فلسطيني هو تحول في الرأي العام الغربي تجاه إسرائيل تجسده مظاهرات يشارك فيها مئات الآلاف ينددون بالهجمات الوحشية التي تشنها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين. هذا التحول في غاية الأهمية من الناحية الأخلاقية فهو من جهة يرفع معنويات الشعب الفلسطينية في صراعه المستمر مع إسرائيل منذ خمسة وسبعين عاما ويزيد من إصرارهم على المقاومة، ومن جهة أخرى يضع إسرائيل واليهود بشكل عام في موقف حرج حيث تزداد مساحة التشكيك في سردية الشعب المظلوم والهولوكوست ودعاوى العداء للسامية والتي مثلت ولعدة عقود قاعدة صلبة للدعم الغربي المتواصل لإسرائيل.

الموقف الأخلاقي الذي تعبر عنه هذه المسيرات المناهضة لاستمرار العدوان له قيمة في حد ذاته حتى ولم ينتج عنه تحولات عملية فهو دليل على أن المبادئ والضمير الإنساني والتضامن لا تزال حية في المجتمعات الغربية رغم ما تشهده من تطورات مادية هائلة ونزعة استهلاكية جعلت الحياة هناك تبدو خالية من أي معنى والإنسان مجرد كائن مستهلك لا يرى أبعد من إشباع غرائزه. لقد تغيرت هذه الصورة السلبية بسبب الاحتجاجات المتواصلة والتفاعل مع قضية تبعد الآلف الكيلومترات مع شعب طالما اُتٌهِم بالإرهاب وضد قناعات راسخة حول إسرائيل وحقها في الوجود.

لكن وكما تعودنا في الشأن السياسي، فإن أي موقف ولكي يكون له قيمة فلا بد من أن يترجم في سياسات وقرارات، وهنا ينشأ التساؤل عن إمكانية تحول هذا الموقف الأخلاقي الواسع الانتشار إلى قوة مؤثرة في السياسات الغربية تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. حدوث هذا التحول مشروط بأن تصبح إسرائيل والقضية الفلسطينية محدداً للسلوك التصويتي للناخبين في المجتمعات الغربية. دراسة الانتخابات تؤكد أن قضايا السياسة الخارجية ذات تأثير قليل، إن لم يكن معدوم، على السلوك التصويتي، وهي تبرز في الغالب إذا كانت القضية الخارجية يترتب عليها استحقاقات كبيرة على المواطنين، كما في حالة التورط في حروب تتسبب في فقدان ابن أو زوج أو أخ.

حتى هذه الحروب لا تتحول إلى متغير حاسم في نتائج الانتخابات سوى بعد مرور فترات طويلة وحدوث خسائر بشرية كبيرة كما في حرب فيتنام التي تسببت في تعبئة شعبية متواصلة لم يكن ممكناً للمتنافسين في الانتخابات  تجاهلها. دون ذلك وكما يظهر من حروب الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق فلا يبدو أن تأثير القضايا الخارجية حاسم في الانتخابات ومن ثم في السياسات الحكومية؛ فالناخبون يستخدمون حقهم الانتخابي للتأثير في سياسات محلية تمسهم بشكل مباشر.

هناك أيضاً شكل آخر لتأثير القضايا الخارجية على سلوك الناخبين بدفعهم للتصويت لصالح أحزاب ومرشحين لهم مواقف مختلفة تجاه هذه القضايا ومن ذلك تأثيرها الاقتصادي، كما في تكلفة الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه الحكومات الغربية لأوكرانيا في حربها مع روسيا. لكن وبعد ثلاث سنوات من الحرب ورغم التكلفة الباهظة للدعم والتي أثرت على النمو الاقتصادي وعلى المستويات المعيشية بارتفاع أسعار الوقود في أوروبا وما ترتب على ذلك من زيادة شعبية الأحزاب والقوى اليمنية المناهضة للحرب فلم ينعكس ذلك عملياً حتى الآن سوى في سلوفاكيا حيث أسفرت الانتخابات عن فوز أحزاب مضادة لاستمرار تقديم الدعم لأوكرانيا.

خلاصة الأمر أن التحول الراهن في توجهات الرأي العام الغربي تجاه إسرائيل مهم من الناحية الأخلاقية لكن تأثيره على سياسات الحكومات الغربية سيبقى محدوداً، فربما يترتب عليه ضبط لمستوى الدعم، لكن لا يبدو أنه سيحدث تغيراً نوعياً يحدث أثراً ايجابياً على مسار  القضية. ولكن وكما نسمع دائماً من السياسين فجميع الخيارات (وهنا الاحتمالات)تبقى مطروحة.

Scroll to Top