مركز الخليج للأبحاث

قمة العشرين بدون شي جيبينغ وبوتين

image_pdfimage_print

لن تكون التجهيزات الكبيرة التي اتخذتها الهند أكثر ما يميز قمة العشرين لهذا العام التي تبدأ غداً في مدينة نيوديلهي، بل إن ما سيجعل قمة هذا العام متفردة هو غياب اثنين من الزعماء هما فلاديمير بوتين وشي جيبينغ. بوتين اتصل برئيس الوزراء الهندي ليبلغه اعتذاره عن حضور القمة وأن وزير خارجيته سيرغي لافروف سيحضرها نيابة عنه، أما الرئيس الصيني فقد اكتفى بما صدر عن وزارة خارجيته بأن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ هو من سيحضر القمة.  

وإذا كان سبب غياب بوتين عن القمة معلوم ويتمثل في قلقه من مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بداية العام بسبب توجيه تهم له على مسؤوليته عن ارتكاب قواته جرائم حرب في أوكرانيا، ومنعته أيضا قبل أسابيع  عن المشاركة في قمة مجموعة البريكس التي صدر عنها أحد أهم القرارات في تاريخها ويتعلق بتوسيع العضوية، فإن سبب غياب شي جيبينغ لا يزال محل تخرصات المراقبين.  فغالبية هؤلاء يرون أن التغيب عن القمة سببه تشهده العلاقات بين القوتين الأسيويتين من توتر بعد نشر الصين خريطة جديدة تشمل أراضي تتنازع عليها مع الهند، وهو ما دفع الحكومة الهندية إلى إعلان احتجاج دبلوماسي “شديد” تضمن حسب تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية “رفض الهند هذه الادّعاءات التي لا أساس لها. وإن خطوات كهذه (نشر الخريطة) من الجانب الصيني لا تسهم إلا في تعقيد حلّ مسألة الحدود”. 

لا شك في أن غياب الزعيمين لن يكون مريحاً للهند التي تتعامل مع هذه القمة كفرصة تاريخية لإبراز حضورها ودورها الفاعل على الساحة الدولية حيث روجت لهذه القمة منذ استلام رايتها من إندونيسيا واتخذت شعارا ملفتاً لها: أرض واحدة – عائلة واحدة -مستقبل واحد، وإعلان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مقال نشر قبل أيام بأن القمة ستحدث تحولاً في منهجية العمل الجماعي الدولي من التركيز على الناتج المحلي الإجمالي إلى نظام دولي محوره الانسان.  

كما ترى الهند القمة فرصة لتقديم نفسها كصوت للجنوب وقد هيأت لهذا التوجه بعقد قمة افتراضية في يناير 2023 تحت عنوان قمة صوت الجنوب العالمي شارك فيها أكثر من 120 دولة.  أهمية قمة العشرين لحكومة رئيس الوزراء مودي تظهر أيضاً من الجهود الكبيرة التي بذلتها داخل الهند للترويج لها ولدور نيودلهي المأمول من خلال تنظيم عدد كبير من الأنشطة حول مجموعة العشرين تجاوز مئتي اجتماع عقدت في ستين مدينة شارك فيها عشرات الآلاف لمنح القمة طابعاً شعبياً بديلاً عن مظهرها النخبوي حسب وصف وزير الخارجية الهندي في مقال له عن القمة. وحسب الوزير فإن هذه الأنشطة الاحتفالية بمجموعة العشرين في كافة أرجاء الهند “خلقت تجربة وطنية شاملة تعود بالنفع على كل من الهند والعالم، فقد جعلت الهند جاهزة للعالم وجعلت العالم أكثر استعدادا للهند”

وسط هذه الاستعدادات الواسعة وأمام هذه الآمال الكبيرة يجد الهنود أن غضبهم مبرر تجاه الرئيس الصيني لعدم مشاركته وحرصهم على الإعلان صراحة عن هذا الغضب، فقد  وصفت افتتاحية صحيفة “هندوستان تايمز” اليومية واسعة الانتشار  أن عدم حضور شي جيبينغ القمة يعكس غطرسة بكين، ويكشف عدم ارتياحها لمكانة الهند المتنامية في العالم، وعدم رغبتها في نجاح الهند في رئاسة المجموعة، كما أن غيابه يؤكد أن الصين تتجاهل التعاون الدولي ما لم تحدد هي شروطه، وهي بذلك تعارض  فكرة التعددية التي تزعم أنها  تدفع باتجاهها، وتختم الصحيفة مقالها بأن غياب شي لا يشكل أهمية كبيرة بل إن وجوده كان سيجعل الأمور محرجة بالنظر إلى تصرفات الصين الاخيرة على الحدود، وأن الغياب مؤشر مهم على الأحادية الصينية.

نختم بالقول إن مشاركة الزعماء في القمم التي يدعون لها أمراً متوقعاً ودليلاً على اهتمام بها وتقديرهم للدول المستضيفة لها، ولذلك فغياب بعضهم عنها لا يعد حدثاً ملفتاً ومثيراً للتساؤل سوى في حالات قليلة. ولكن التغيب عن هذه القمة وبالنظر إلى شخصية الزعيمين والدولتين التي يمثلانها، وكذلك الدولة المستضيفة للقمة، وفي ضوء ما يروَج منذ سنوات عن توجه لإعادة هيكلة النظام الدولي نحو التعددية أبطاله هذه الدول الثلاث يجعلنا نتوقف كثيراً أمام هذه الأطروحة ونتساءل عن حجم الرغبوية في قراءة الأحداث الدولية. 

 وحين نضيف الخلافات الحدودية بين الصين والهند، والإشكالات الحدودية بين الصين ومعظم جيرانها كما كشفته الخريطة الجديدة، وكذلك إصرار الهند على التمسك بما تسميه بالاستقلال الاستراتيجي strategic autonomy  في توجهاتها الدولية، ومعاناة روسيا الدولية بسبب تبعات حربها في أوكرانيا، فلا بد من أن نعترف بأننا نقف أمام تحدِ كبير لفهم وتفسير ما يجري من أحداث على الساحة الدولية وصعوبة في قراءة مستقبلها.  

Scroll to Top