مركز الخليج للأبحاث

الوضع الإستراتيجي في الخليج 2025

image_pdfimage_print

ينظم مركز الخليج للأبحاث محاضرة بعنوان : “الوضع الإستراتيجي في الخليج 2025 ” بواسطة الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث

نوع الفعالية: محاضرة

التاريخ: 28 يناير، 2009

الموقع: جدة – المملكة العربية السعودية

إن استشراف الوضع الاستراتيجي في منطقة من مناطق العالم ليس تكهناً أو رجماً بالغيب وإنما هو علم يقوم على استقراء مفردات الواقع وتحليلها والربط بينها؛ وذلك لاستكشاف آفاق المستقبل ورسم صورة له وما سيؤول إليه، واستناداً إلى ما سبق، فإن الأسئلة التالية تطرح نفسها بإلحاح: كيف سيكون الوضع الاستراتيجي في منطقة الخليج حتى عام 2025، وما هي المعطيات والشروط التي يمكن أن توفر فرص الأمن والاستقرار والتحول الديمقراطي في المنطقة؟.

تشهد منطقة الخليج الكثير من التحديات الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية، مثل: الوجود العسكري الأجنبي، وتحديداً الأمريكي، في المنطقة ، وأزمة الملف النووي الإيراني، وتداعيات الملف العراقي، وملف أمن الطاقة وأسعار النفط، وخطر التنظيمات الإرهابية، ومعضلة البحث عن صيغة مستقرة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران. كل هذه التحديات المتداخلة وغيرها تجعل مستقبل المنطقة مفتوحاً على كل الاحتمالات. ومن هنا فقد بات من الضروري استشراف هذا المستقبل من قبل أبناء المنطقة حتى يتسنى بلورة بعض الرؤى والمقترحات التي من شأنها تجنيب المنطقة مخاطر وكوارث قد تدفع بها إلى المجهول. وإن لم تخطط دول المنطقة لمستقبلها فسوف يخطط له الآخرون.

وفي ضوء ذلك ننطلق من قراءة الوقائع ورصد التحولات الجارية في منطقة الخليج من أجل وضع السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تشهدها هذه المنطقة خلال السنوات التي تفصلنا عن عام 2025، مع تحديد ماهية السيناريو المرغوب فيه أو المأمول، الذي يحقق طموحات وتطلعات شعوب دول المنطقة، وتحديد شروط ومتطلبات تحقيقه.

وفي هذا السياق، يمكن أن نحدد أهم العوامل الحاكمة لمستقبل الوضع الاستراتيجي في الخليج في السنوات المقبلة ومن أبرزها ما يلي :

1.    ميزان القوى في المنطقة، سواء على المستوى العسكري أو السكاني أو الاقتصادي أو العلمي، وفي هذا السياق لا بد أن نعرض بالتفصيل ومن منظور مقارن لموازين القوى بين دول مجلس التعاون الخليجي وكل من إيران واليمن والعراق، مركزين أساساً على موازين القوى العسكرية، والبشرية، فضلاً عن موازين القوى الاقتصادية والقدرات العلمية والتقنية.

2.    طبيعة وحدود التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والعسكري. فهذا العامل من العوامل الرئيسية التي سترسم حدود دور دول المجلس في صياغة مستقبل المنطقة، ومدى فاعلية هذا الدور.

3.    آفاق الأزمة المالية العالمية ، ومستقبل الطلب العالمي على النفط الخليجي ومعضلة أمن الطاقة. وهذا العامل سيرسم حدود الاهتمام العالمي بقضية الأمن في الخليج.

4.    التطورات الداخلية على الساحة الإيرانية وتأثيرها في مستقبل الوضع الأمني في الخليج، وفي علاقة إيران بدول مجلس التعاون. فطبيعة النظام السياسي الحاكم في إيران سوف تنعكس على دوره كمصدر للاستقرار أو لعدم الاستقرار في المنطقة.

5.    أزمة الملف النووي الإيراني وتداعياتها الإقليمية والدولية، وتأثيرها في أمن دول مجلس التعاون. وأسوأ السيناريوهات المرتبطة بهذا الملف هو أن تنشب حرب جديدة بسببه.

6.    مستقبل الأزمة العراقية، وتأثيراته المحتملة في مستقبل المنطقة برمتها. فعراق مستقر وموحد ويتحرك بفاعلية على طريق التنمية هو خلاف عراق مفكك يشكل بؤرة لتفريخ وتصدير التطرف والإرهاب.

7.    الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، لكونه من العوامل الرئيسية المرتبطة بمستقبل الدور الأمريكي في المنطقة. وهو دور سيكون له تأثيراته في صياغة مستقبل المنطقة.

8.       مستقبل العملية الإصلاحية في دول مجلس التعاون الخليجي.

وانطلاقاً من دراسة هذه العوامل نصل إلى تحديد خمسة سيناريوهات لمستقبل الوضع الاستراتيجي في المنطقة، مع تحديد شروط تحقق كل من هذه السيناريوهات، وانعكاساته على دول مجلس التعاون الخليجي، وأخيراً نحدد السيناريو الأكثر ترجيحاً للمنطقة.

السيناريو الأول:

هو سيناريو الأزمة الممتدة، أي استمرار الوضع الراهن في المنطقة على ما هو عليه، سواء لجهة الوضع في العراق، أو لجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، أو لجهة الملف النووي الإيراني، أو الوضع الداخلي في إيران، أو العلاقات بين دول مجلس التعاون. وسيكون لهذا السيناريو إذا ما تحقق انعكاسات على دول الخليج، كاستمرار حالة القلق في شأن مستقبل المنطقة، واستمرار الصراعات الطائفية في العراق ، واستمرار أسعار النفط عند معدلاتها الحالية ، واستمرار الإنفاق العسكري المتزايد في دول المنطقة، وتعرض بعض دول الخليج لعمليات إرهابية.

السيناريو الثاني (الكارثي):

وهو سيناريو سيتحقق في حالة توافر شروط ومعطيات من أبرزها تفكك العراق، واندلاع حرب جديدة في الخليج بسبب الملف النووي الإيراني، الأمر الذي سيترتب عليه تداعيات كارثية على المنطقة، بدءاً من تصدير العنف والإرهاب إلى دول المنطقة بسبب تفكك الدولة العراقية، وتدفق اللاجئين العراقيين إلى دول المجلس، واستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة كرد فعل على الهجوم العسكري الأمريكي ضد إيران، وتحرك عناصر من الجاليات الإيرانية الموجودة في دول الخليج، وكذلك تحرك بعض الفئات الشيعية من مواطني دول الخليج وقيامها بأنشطة وردود فعل احتجاجية تعاطفاً مع إيران، فضلاً عن احتمال تعطل الملاحة في مضيق هرمز.

السيناريو الثالث:

امتلاك إيران قنبلة نووية (سيناريو هيمنة إيران النووية على الخليج)، ومن أبرز تداعيات هذا السيناريو على دول الخليج مايلى : تحول إيران إلى قوة مهيمنة فى المنطقة، وسيطرتها على العراق، وتمسكها باستمرار احتلال الجزر الإماراتية، وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من خلال تحريكها للجماعات الشيعية في هذه الدول، وهو أمر يمكن أن يدفع بدول مجلس التعاون، وتحديداً السعودية، إلى السعي بدورها لامتلاك سلاح نووي في مواجهتها.

السيناريو الرابع:

وقوع الخليج تحت هيمنة أمريكية ـ إيرانية مشتركة. وسيكون لهذا السيناريو تداعيات عديدة أبرزها : قيام تنسيق استراتيجي بين إيران والولايات المتحدة سيكون في الغالب على حساب دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سيجعل هذه الدول، وتحديداً السعودية، بوصفها كبرى دول المجلس الست، محاصرة بمحور واشنطن ـ طهران، الذي لن يمنع إيران من الاستمرار في التدخل في شؤون دول المجلس الداخلية بموافقة ضمنية أمريكية.

السيناريو الخامس (التفاؤلي):

وهو سيناريو تحقيق الأمن والاستقرار والديمقراطية والتنمية في المنطقة، ومن أبرز تداعيات هذا السيناريو: تجنب التهديدات الإقليمية، وشيوع الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي والخليجي، والاهتمام أكثر بقضايا التنمية والإصلاح، وهو ما سينعكس تلقائياً متمثلاً في تراجع الإنفاق على التسلح، وسيعزر فرص الإصلاح السياسي في دول المنطقة.

أما السيناريو الأكثر ترجيحاً من بين هذه السيناريوهات الخمسة، فنرى أن الأول هو الأكثر احتمالاً (أي سيناريو الأزمة الممتدة)، مع تزايد احتمالات التدهور فى بعض المجالات، لكن من دون أن تصل الأمور إلى حد السيناريو الكارثي، اللهم إلا إذا اندلعت حرب بالمصادفة لخطأ في الحسابات بين واشنطن وطهران . وفي هذا السياق، فإن الأمر يؤشر إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في العراق لفترة من الزمن حتى وإن استمر العراق موحداً ، وحدث انسحاب جزئى للقوات الأمريكية منه ، واستمرار الخلل الاستراتيجي في بعض موازين القوى في المنطقة لمصلحة إيران، واستمرار الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ولو بحجم أقل في بعض الدول.

وبناء على ذلك نطالب دول مجلس التعاون تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها وبخاصة في مجالات الأمن والدفاع، فهذا هو السبيل الوحيد لتعزيز قدرتها الذاتية على حماية أمنها ومصالحها في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة. ومن المهم أن تتحسب هذه الدول لاحتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة ربما لخطأ في الحسابات، بما يتضمنه ذلك من ضرورات لبلورة خطط للتعامل مع التداعيات المحتملة لهذه الحرب فى حال نشوبها.

كما يستدعي الأمر قيام دول مجلس التعاون، أكثر من أي وقت مضى، بتنسيق سياساتها في شأن التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وتعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى، كالصين وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي، من ناحية أخرى. كما إنه من المهم أن تقوم دول المجلس بتنويع مصادر دخلها وتعزيز قدراتها الإنتاجية مستفيدة من دروس التقلب الكبير فى أسعار النفط لاسيما فى ظل الأزمة المالية العالمية . هذا فضلاً عن ضرورة سعي هذه الدول لتعزيز عملية الإصلاح السياسي الداخلي، على قاعدة التأسيس لعقد اجتماعي جديد تقوم عليه العلاقة بين المواطن والدولة، ويرتكز على مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات وسيادة القانون. فهذا هو الطريق الحقيقي لتعزيز الوحدة الوطنية الداخلية، ووصد الباب أمام التدخلات الخارجية.

Scroll to Top