يبدو عنوان المقال غريباً، فهل هناك علاقة بين أوكرانيا والمكسيك اللتان تفصلهما آلاف الكيلومترات؟ والإجابة نعم، ونجدها في اللعبة الديموقراطية كما تمارس في الولايات المتحدة؛ فاستمرار تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا في حربها مع روسيا مشروط بتسوية بشأن ضبط الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك للحد من المهاجرين. واليوم أعلنها بكل صراحة مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي بقوله: ” وافق لنا “يقصد الرئيس بايدن” على مسألة الحدود، نوافق لك على تقديم المساعدات لأوكرانيا”.
فالنواب الجمهوريون ربطوا تقديم حزمة جديدة من المساعدات لأوكرانيا تقدر بستين مليار دولار بتنازلات من الرئيس بايدن بشأن مطلبهم بتشديد سياسة قبول المهاجرين ووضع معايير صارمة للجوء لمنع تدفق مئات آلاف من المهاجرين الذي يشكلون خطرا أمنياً على الولايات المتحدة- حسب رؤية النواب الجمهوريين.
وبهدف تخفيف المعارضة على حزمة المساعدات دعت الإدارة الأمريكية الرئيس زيلينسكي ليلتقي بأعضاء الكونجرس ويحثهم على الموافقة على منح المساعدات وعدم تأخيرها لأن “انتصار روسيا سيلحق الضرر بالولايات المتحدة”.
عدد من أعضاء الكونجرس برروا ترددهم في الموافقة على حزمة المساعدات بعدم وجود استراتيجية واضحة للقوات الاوكرانية تضمن لها إحراز تقدم على جبهات القتال، بدونها ستكون المساعدات مضيعة للمال الأمريكي، خاصة بعد فشل هجوم الربيع.
لكن يبقى العائق الأكبر هو إصرار الكونجرس على ربط الموافقة على تقديم المساعدات لأوكرانيا بمسألة الحدود والهجرة. هي إذاً صفقة بين طرفين ( الإدارة الأمريكية والكونجرس) ويحرص كل طرف على تحقيق مكاسب منها. وهذا هو جوهر العملية الديموقراطية؛ فهي مساومات واستعداد لتقديم تنازلات وهو ما يفسر التبدلات المستمرة في السياسة الأمريكية والتي لا يمكن فهمها سوى لعقل براغماتي يؤمن بمبدأ تبادل المنافع.
وخلال حديث له قبل شهرين اشتكى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هذه المعضلة “فبسبب الانتخابات المنتظمة – في الولايات المتحدة- تؤدي تغييرات على الساحة السياسية الداخلية إلى تغير في السياسة الخارجية الأمريكية فتتخلى واشنطن عن سياسة وتستبدلها بأخرى قد تكون معارضة لها في بعض الأحيان”.
المساومات تعد مبدأ ثابت في النظام السياسي الديموقراطي وهي ما تفسر الديناميكية المستمرة في السياسة الداخلية وتمنح النظام حيويته. لذلك تبدو هذه الأنظمة غير مستقرة مقارنة بالأنظمة غير الديموقراطية التي تحكم العملية السياسية فيها قواعد صارمة لا يمكن الخروج عليها. وهذا ما أصبح محل جدل بين دارسي الأنظمة السياسية حول النظام السياسي الأنسب، كما أن حالة عدم الاستقرار الظاهرية في الأنظمة الديموقراطية جعل دولة كبرى مثل الصين تروج لنظامها السياسي القائم على المركزية الحزبية ومبدأ الجدارة بدلاً من الانتخاب.
المؤكد أن فهم السياسة الامريكية والتعامل معها يقتضي استيعاب مركزية المساومات، ولذلك تدرك الدول أن العلاقة مع الولايات المتحدة هي دائماً وأبداً قضية إدارة قابلة للأخذ والرد أو حسب المثل الشعبي “شد لي وأقطع لك”، وعلى العكس من بعض الثقافات التي تنظر بشكل سلبي لهذا المبدأ في فإنه أس الثقافة الديموقراطية في نسختها الأمريكي ولذلك إذا أراد بايدن أن يساعد أوكرانيا فعليه أن يوافق على ضبط الحدود مع المكسيك.