اخترت هذا العنوان المباشر لبيان الهدف من هذه الورقة القصيرة وهو تقديم مقترح للنظر في ملاءمة مشاركة المملكة في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام انطلاقاً من الحقائق الاتية: –
- أن المملكة عضو مؤسس للأمم المتحدة شاركت في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 وتعلن باستمرار حرصها على نجاحها في تحقيق مقاصدها.
- دعم المملكة السخي الدائم للمنظمة وأجهزتها المختلفة منذ تأسيسها.
- تعبير المملكة من خلال مندوبيها لدى الأمم المتحدة عن دعمها المستمر لقوات حفظ السلام ولعل أبرز مثال على هذا توقيعها في 2018 على إعلان الأمين العام المعنون “العمل من أجل حفظ السلام: الالتزامات المشتركة لتحسين عمل قوات حفظ السلام وسلامة أفرادها”. كما قدمت المملكة دعماً مالياً للقوة المشتركة لدول الساحل G5 لمواجهة الجماعات المتطرفة في غرب أفريقيا اتساقاً مع دعم الأمم المتحدة.
- المبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية السعودية ودعمها للشرعية الدولية الهادفة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم اللجوء للقوة أو التهديد بها. هذه المبادئ تعد منطلقات عمل قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
- جهود المملكة المستمرة في حل الخلافات واستعادة الاستقرار، ولعل آخرها استضافة اجتماع جدة للتشاور حول كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى مبادراتها المتواصلة لإنهاء الصراع في السودان.
- الجهود الانسانية الإغاثية من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة وتقديم المساعدات للاجئين والمتضررين من الصراعات فالمملكة تتصدر الدول المانحة حيث تخصص أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي للمساعدات بكافة اشكالها.
جميع هذه الحقائق تجعل توجهات السياسة السعودية في توافق تام مع أهداف ومهام قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام. من جانب آخر يترتب على المشاركة في قوات حفظ السلام منافع متعددة سنستعرضها لاحقاً بعد فقرات موجزة هذه القوات من حيث أهدافها ونشاتها ومهامها وتشكيلها.
تستمد قوات حفظ السلام شرعيتها من مقاصد الأمم المتحدة حيث حددت الفقرة الاولى من المادة الأولى من الميثاق أول هذه المقاصد وهو حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ المنظمة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم. ومن أجل هذا الهدف نشأت وتطورت قوات الحفظ السلام وفصَلت عدد من مواد الميثاق في مسألة حفظ السلام حيث نصت الفقرة الاولى من المادة الثالثة الأربعين بأن ” يتعهد جميع أعضاء “الأمم المتحدة” في سبيل المساهمة في حفظ السلم والأمن الدولي، أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي”.
وتعود بدايات قوات حفظ السلام لعام 1948 من خلال نشر مجلس الأمن مراقبين عسكريين لمراقبة الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين شارك مئات الآلاف من العسكريين في عمليات حفظ السلام في عدد كبير من الدول التي عانت صراعات وحروب. وخلال السنوات الاولى اقتصرت مهام قوات حفظ السلام على الحفاظ على وقف إطلاق النار وتقديم الدعم للجهود السياسية لحل الصراعات بالوسائل السلمية والمساعدة في تنفيذ اتفاقيات السلام.
وتمثل دورها الرئيسي في: المراقبة، والإبلاغ عن أي خروقات لوقف إطلاق النار، وبناء الثقة بين الأطراف المتصارعة. ومهام بعض هذه القوات قد تمتد لسنوات طويلة مثل قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونفيل (التي تشكلت بقرار من مجلس الأمن في 1978 لتعمل في جنوب لبنان من أجل التحقق من انسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة السلام والأمن ومساعدة حكومة لبنان على تأمين عودة سلطتها الفاعلة.
ويحكم عمل قوات حفظ السلام ثلاثة مبادئ رئيسة هي: موافقة الأطراف المتنازعة؛ فلا يمكن نشر قوات دون موافقة الدولة التي ستعمل على أراضيها، والحياد، وعدم استخدام القوة باستثناء حالات الدفاع عن النفس.
وتتشكل بعثات قوات حفظ السلام بقرار من مجلس الامن يحدد ولاية البعثة وحجمها ويراقب المجلس الأمن نشاط عمليات البعثة بشكل مستمر عن طريق تقارير دورية من الأمين العام وعقد جلسات مخصصة لمجلس الأمن لمناقشة هذه التقارير. وتتقاسم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة نفقات عملية حفظ السلام حيث توزع الجمعية العامة النفقات بناء على جدول خاص للأنصبة المقررة، مع مراعاة الثروة الاقتصادية النسبية للدول الأعضاء، ومطالبة الأعضاء الدائمين بدفع حصة أكبر نظرًا لمسؤوليتهم الخاصة بحفظ الأمن والسلم الدوليين.
وبعد انتهاء الحرب الباردة وزيادة الصراعات الاهلية والحروب الداخلية فقد زادت الحاجة لقوات حفظ السلام واتسع نطاق عملها ولم يعد دورها مقتصراً على مراقبة وقف إطلاق النار بل تجاوزه إلى بناء سلام مستدام. فقد أصبحت تقوم بمجموعة واسعة من المهام المعقدة، بدءاً من المساعدة في بناء المؤسسات وحماية حقوق الانسان وحماية المدنيين وإصلاح قطاع الأمن ونزع السلاح بين المقاتلين وإعادة دمجهم في المجتمع إضافة إلى دعم الأجهزة الأخرى للأمم المتحدة ومن ذلك مراقبة الانتخابات وبناء مؤسسات ديموقراطية بعد استعادة السلام.
وبسبب تنامي الصراعات فقد زادت الحاجة لقوات حفظ السلام وارتفع بذلك عدد أفرادها ليصل الى مئة ألف من 120 دولة. وقائمة هذه الدول متنوعة بتنوع توجهاتها السياسية وتباين قدراتها العسكرية والاقتصادية فمن بين الدول المشاركة: الهند وإيطاليا وفرنسا والفلبين وبريطانيا ونيجيريا وبنغلاديش وباكستان والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والصين وكوريا واليابان ومصر والأردن والمغرب وتونس وجيبوتي.
تعاني قوات حفظ السلام أحياناً من نقص في التمويل لا يتناسب مع تعدد مهامها، وكذلك تكليفها بمهام في مناطق لم تشهد سلاماً للحفاظ عليه (على سبيل المثال الصومال وراوندا ويوغسلافيا) أو لم تلتزم الأطراف المتصارعة باتفاقيات السلام وهو ما يتسبب في عدم قدرتها على القيام بمهامها ويعرِضها للنقد. ولذلك تعد عمليات حفظ السلام من أكثر المهام التنفيذية تعقيداً للأمم المتحدة.
وللقوات السعودية تجربة في عمليات حفظ السلام فقد شاركت ضمن القوات التي شكلتها الجامعة العربية في 1961 لحماية الكويت ضد التهديدات العراقية، كما شاركت قوات سعودية ضمن قوات الردع العربية في لبنان التي تشكلت في 1976، وشاركت أيضاً في تأمين عملية إعادة الأمل في الصومال عام 1992. كما ساهمت في قوات درع الجزيرة لحماية البحرين وتأمين منشآتها الاستراتيجية. والقاسم المشترك بين هذه المهام هو كونها ضمن نطاق إقليمي محدد في حين أن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام ذات نطاق عالمي واسع.
أما العوائد المترتبة على مشاركة قوات سعودية في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام فتتمثل في: –
- أن المشاركة تنسجم مع دور المملكة المتنامي للمساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين.
- تعزيز صورة المملكة كدولة محبة للسلام وحريصة عليه.
- المشاركة تتوافق مع التزام المملكة العربية السعودية بالقيم الإنسانية وحماية المدنيين من مآسي الحروب.
- المشاركة قد تعزز من فرص المملكة في الترشح للجان داخل أجهزة الأمم المتحدة.
- التعريف بقدرات وإمكانات القوات السعودية.
- كسب المعرفة العسكرية وتبادل الخبرات في حل النزاعات مع الجيوش الأخرى المشاركة في القوات.
- التدريب المتخصص للعمل في بيئات صراع معقدة والتعرف على أبعادها المختلفة.
- أن المشاركة في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام تتناسب مع التوجه الجديد بدمج البعدين العسكري والمدني في مناهج القوات المسلحة، فبيئات الصراع التي تعمل فيها قوات حفظ السلام ذات أبعاد سياسية وإنسانية واقتصادية وعسكرية وأمنية وقانونية ولذلك فهي تمثل مصدر مهم لمعرفة خصائص الصراعات الأهلية والدولية.
- لا يترتب على المشاركة أي أعباء كبيرة.
ولكن هل للمشاركة في قوات حفظ السلام أي تبعات سلبية؟ ما يظهر لنا من تاريخ بعثات حفظ السلام أن الإشكالية الرئيسة تتمثل في البيئات الخطيرة التي تعمل فيها وتتسبب أحياناً في تعريض حياة أفراد القوات المشاركة للخطر. فمنذ تأسيسها في 1948 فقد 3500 حياتهم في سبيل السلام من بين أكثر من مليونين من أفراد قوات حفظ السلام. ولذلك وضع الأمين العام للأمم المتحدة خطة لتقليل المخاطر التي تتعرض لها القوات من خلال تحديد أدق لمهامها وتمكينها وتقديم الدعم المستمر لها والرفع من مستوى أدائها.
في ضوء ذلك ومع هذا الحضور المتنامي للمملكة على الساحة الدولية فقد يكون ملائماً اليوم البحث في مسألة ارتداء قوات سعودية قبعات زرقاء للمساهمة جنباً إلى جنب مع أقرانهم في كافة أنحاء العالم لتحقيق الأمن والسلام واستعادة الأمل لملايين المدنيين حول العالم الذين أنهكتهم الحروب وفظائعها.