الغرب قلق من هذا التحول كونه يفقدهم الهيمنة، في حين يرحب الشرق وبقية العالم بالتحول ويدفعون لتعجيل حدوثه. الحرب في اوكرانيا وفقاً للنخب الروسية ليست سوى مظهراً واحداً من مظاهر صراع شامل بين روسيا والغرب سيمتد فترة طويلة قد تصل إلى عقدين من الزمن، كما صرح مؤخراً دمتري ميدفيف الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الامن القومي. النخب الروسية ترى أن حرب أوكرانيا قضت نهائياً على فكرة اندماج روسيا في البيت الأوربي، وعلى روسيا اليوم أن تعرف نفسها بدولة حضارة تحمل رسالة تميزها عن بقية العالم ويجب أن تتحرك السياسة الخارجية الروسية وفقاً لهذا المنظور الحضاري. أمام هذه التحولات تنقسم النخب الغربية بين أصوات تحذر من هذا التحول وتدعو لمواجهته من أجل المحافظة على الهيمنة وينظرون له في إطار صراع بين أنظمة ديموقراطية حرة وأخرى تسلطية، وبين أصوات ناقدة تدعو للمراجعة وقبول التحولات والاستعداد لمشاركة إدارة الشأن الدولي. في خضم هذا الصراع هناك تشكٌل جديد يطلق عليه الروس الغالبية العالمية ميرافومو بلشينستفو تتألف من جميع الدول التي لم تشارك في فرض العقوبات على روسيا وهذه الغالبية ستكون أحد مسرعات التحول نحو نظام متعدد الأقطاب. الصين التي يصور الغرب صعودها بأنه أكبر تحدي للهيمنة الغربية على النظام الغربي تقدم رؤية لدورها في العالم تناقض هذا التصور السلبي وتترجم رؤيتها في ثلاث مبادرات كبرى: الامن العالمي التنمية العالمية ومؤخراً مبادرة الحضارة العالمية. اهتمام الأقطاب الثلاثة (الغرب، الصين، روسيا) بالبعد الحضاري من خلال تصوير الغرب للصراع الراهن بأنه صراع بين منظومات قيم (ديموقراطية في مواجهة تسلط) وتأكيد الروس هويتهم الحضارية وطرح الصين لمبادرة الحضارة العالمية تؤكد أن الانتماء الحضاري لا يزال مهماً في تحديد مستقبل العالم. وسط هذا المشهد الدولي المتحول هناك مؤشرات على إدراك العرب له والاستعداد له والانخراط فيه وفقاً لمعطياته، وهذا يظهر في تحركات بعض الدول العربية وفي مقدمتها المملكة، وتدرك الأقطاب الثلاث هذا المسعى العربي وتحاول استقطابه. الإشكالية هو أن هذه الحيوية في التحرك العربي التي تلقى اهتماماً دولياً قد تعكس إدراكا آنياً لا يضمن استدامته وذلك لغياب حوارات جادة حول التحولات في النظام الدولي يمكن ان تؤسس لفهم عميق يسهم في بناء رؤى استراتيجية تكون ركيزة لحضور عربي فاعل في المشهد الدولي. لا يمكن تصور مشاركة عربية فاعلة في إعادة تشكيل النظام الدولي من خلال تحركات فردية، فجميع الدول العربية مهما بلغت قدرات كل دولة غير كافية لترك أثر، ولذلك لابد من تحرك جماعي يعكس إيماناً بمصالح الأمة العربية.