مركز الخليج للأبحاث

عام على الحرب والاحتلال : الأوضاع الراهنة فى العراق وانعكاساتها على دول مجلس التعاون الخليجي

image_pdfimage_print

يعقد مركز الخليج للأبحاث ندوة بعنوان ” عام على الحرب والاحتلال : الأوضاع الراهنة فى العراق وانعكاساتها على دول مجلس التعاون الخليجي”

نوع الفعالية: حلقة نقاشية

التاريخ: 8 أبريل، 2004

الموقع: مركز الخليج للأبحاث

هدف الندوة:
رصد واستشراف آثار الحرب والاحتلال على دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن بلورة بعض الرؤى والأفكار بشأن كيفية تعامل دول المجلس مع هذه الآثار بما يحد من انعكاساتها السلبية عليها . 

 مقدمة :
يبدو أن منطقة الخليج قد أصبحت على موعد مع حرب مع بداية كل عشرية ، فبعد حرب الخليج الأولى التي اندلعت عام 1980 واستغرقت معظم سنوات عقد الثمانينات ، جاءت حرب الخليج الثانية على أثر احتلال العراق لدولة الكويت عام 1990 ، وقد استغرقت تداعياتها وتبعاتها كل عقد التسعينيات ، وفي 20 مارس عام 2003 أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية ، بمشاركة بريطانيا كطرف رئيسي ، حرب الخليج الثالثة ، وذلك تحت شعار ” عملية حرية العراق ” ، وطُرحت أهداف معلنة لهذه الحرب منها : إطاحة نظام صدام حسين ، ونزع أسلحة الدمار الشامل العراقية ، وتأسيس نظام ديمقراطي في العراق يكون نموذجاً للديمقراطية في المنطقة . وتمثل هذه الحرب بمعنى من المعاني استمرارا لحربي الخليج السابقتين ، أي أنه لا يمكن فهم أبعادها وآثارها بمعزل عنهما ، ولا بمعزل عن تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالطبع .

وقد انتهت حرب الخليج الثالثة بإطاحة نظام صدام حسين ، ووقوع العراق فى قبضة الاحتلال الأمريكي – البريطاني ، وهو ما يشكل علامة فارقة ونقطة تحول ، ليس عراقيا فحسب، ولكن خليجيا وعربيا ودوليا أيضا ، وذلك بسبب التأثيرات والتداعيات – القائمة والمحتملة – للحرب والاحتلال على مستقبل العراق ككيان سياسي ، فضلا عن انعكاساتها الكبيرة ، الآنية والمستقبلية ، المباشرة وغير المباشرة ، على منطقة الخليج ، وكذلك على العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي والاجتماعي ، ناهيك عن تداعياتها القائمة والمحتملة على الدور العالمي للولايات المتحدة الأمريكية ، وهيكل النظام الدولي ، وبنية العلاقات الدولية ، ومستقبل الأمم المتحدة.

وفى ضوء ما سبق ، فقد حرص مركز الخليج للأبـــحاث  على إفراد برنامج بحثي متكامل عن الوضع فى عراق ما بعد صدام حسين ، وهو يتضمن إعداد بحوث وتقارير وتحليلات و تنظيم ندوات وورش عمل تنصب على رصد وتحليل خلفيات الحرب ، وأبعادها المختلفة ، وواقع العراق فى ظل الاحتلال، والآفاق المستقبلية للدولة والنظام السياسي والاقتصاد والمجتمع فى العراق ، وفى إطار هذا البرنامج يقوم المركز بإصدار سلسلة علمية متخصصة تحمل اسم ” دراسات عراقية ” . ونظرا لأن منطقة الخليج هي ساحة الحرب ، وبالتالي فهي الأكثر تأثرا بها وبتداعياتها، فقد حرص المركز على تنظيم هذه الندوة بهدف رصد واستشراف آثار الحرب والاحتلال على دول مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن بلورة بعض الرؤى والأفكار بشأن كيفية تعامل دول المجلس مع هذه الآثار بما يحد من انعكاساتها السلبية عليها .  

 الكلمة الافتتاحية لرئيس مركز الخليج للأبحاث 

أيــها السيداتُ والسادة:

يسرُّنـي أن أرحبَ بكُمْ أجملَ ترحيبٍ في رحابِ مركزِ الخليجِ للأبحاث، مُـعْرِباً لكُمْ جميعاً عنْ خالـِـصِ الشكرِ وعظيمِ التقديرِ لتلبيـتِكُـمُ الكريمةِ لدعوةِ المركزِ للمشاركةِ في هذهِ الحلقةِ النقاشيةِ الهامةِ التي ينظِمُها تحتَ عُـنوان “عامٌ على الحربِ والاحتلال: الأوضاعُ الراهنةُ في العراقِ وانعكاساتُها على دُولِ مجلسِ التعاونِ الخليجي”، وهِيَ تـتـزامـنُ معَ مُناسبةِ مُرورِ عامٍ على سُـقُوطِ بغدادَ واحتلالِ العراقِ في مشهدٍ رُبـما يكونُ غيرَ مسبوقٍ في تاريخِ سقوطِ العواصم في العصرِ الحديث.

وإنَّهُ لـمَبعثُ فخرٍ واعتزازٍ للمركزِ أنْ تُشاركَ هذِهِ النخبةُ المتميزةُ منَ السياسيينَ وأهلِ الفكرِ والخبراءِ والباحثينَ الـمتخصِّـصينَ في هذهِ الحلقةِ النقاشية، مما سيكونُ لـهُ عظيمُ الأثرِ في إثراءِ أعمالـِـها، وبخاصةٍ في ظلِ حالةِ الضبابيةِ التي تتسمُ بِـها الأوضاعُ والتطوراتُ الراهنةُ على الساحةِ العراقية، والتي تؤكدُ أنَّ الحربَ في العراقِ لم تنتـهِ بعدُ على الرغمِ من مُضيِ عامٍ على سُـقوطِ بغدادَ وإطاحةِ نظامِ صدام حسين، كما تشيرُ من ناحيةٍ أخرى إلى  أنَّ مستقبلَ العراقِ مفتوحٌ على الاحتمالاتِ كافة.

أيـُـها الإخوةُ والأخوات:

إِذا كانَ التاريخُ سيكشِـفُ يوماً عنْ أسرارِ وخلفياتِ السقوطِ الـمُـدوِّي لبغداد، والانهيارِ السريعِ والمفاجئِ للنظامِ السابق، فَإنَّ مِـنَ المؤكدِ أنَّ الحربَ الأمريكيةَ – البريطانيةَ على العراقِ قـدْ خلقتْ حقائقَ ومعطياتٍ جديدةً في منطقةِ الخليج، حيثُ إن طـيَّ صفحةِ نظامِ صدام حسين، ووقوعَ هذا البلدِ في قبضةِ الاحتلالِ الأمريكيِ – البريطانيِ إنما يشكلُ بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ في تاريخِ العراقِ الحديث، وهي مرحلةٌ لا تزالُ ملامِحُها تتشكَّـلُ على الأرض، وَهِيَ مشوبةٌ بالكثيرِ من مظاهرِ الغُموضِ وعدمِ الوضوح، وبخاصةٍ في ظلِ حالةٍ من التخبطِ الشديدِ الذي عانتْ – وتُـعانـي – منها السياسةُ الأمريكيةُ في العراقِ من ناحية، وكثرةِ التجاذُباتِ الإقليميةِ بشأنِ الوضعِ العراقيِ من ناحيةٍ ثانية، وتعـدُّدِ الخلافاتِ والاِنـْـقِساماتِ بين القِوى العراقيةِ الرئيسيةِ بشأنِ العديدِ من القضايَا الجوهريـةِ ذاتِ الصلةِ بـمُستقبلِ النظامِ السياسيِ وطبيعةِ الدولةِ والمجتمعِ من ناحيةٍ ثالثة، وذلكَ على الرُّغمِ من توقيعِ القانونِ الـمؤقتِ لإدارةِ الدولة، وكلُّ ذلكَ وغيرُه يطرحُ العديدَ مـنَ القضايا والتساؤُلاتِ حولَ مستقبلِ العراق.

ولا شكَّ في أنَّ استمرارَ تدهورِ الأوضاعِ الأمنيةِ في العراقِ على الرُغمِ من وُجودِ أكثرَ من مِـائتـيْ ألفِ جنديٍ أجنبيٍ على أراضيه، واستمرارَ تـَّـرَدّي الأوضاعِ الاِقْـتِـصاديةِ والاِجتماعيةِ للشعبِ العراقيِ في ظِـلِ التعـثُّـرِ الواضحِ لجهودِ إعادةِ الإعْمار، وقيامَ سُـلُـطاتِ الاِحتلالِ بتفكيكِ أجهزةِ الدولةِ العراقيةِ ومؤسساتِها، إنما يزيدُ الأمرَ تعقيداً، وبالذاتِ في ظلِ المحاولاتِ التي يقومُ بِها البعضُ من أجلِ خلقِ فتنةٍ طائفيةٍ أو عرقيةٍ قد تجرُ البلادَ إلى حربٍ أهليةٍ لا سَمحَ الله.

أيـُّـها الإخْوةُ والأخوات:

لقد شكَّل العراقُ في ظلِ نظامِ صدام حسين طرفاً رئيسياً في مشكلاتٍ وقضايَا إقليميةٍ ودوليةٍ منذُ أواخِـرِ سبعينياتِ القرنِ العشرين، حيثُ خاضَ حرباً طويلةً ضدَّ إيرانَ استغرقتْ معظمَ عِـقْـدِ الثمانينيات. وفي عامِ 1990 وقعت كارثةُ الخليجِ الثانيةُ على إثرِ قيامِـهِ باحتلالِ دولةِ الكويت، والذي شكَّـلَ حدثاً غيـرَ مسبوقٍ في تاريخِ النظامِ العربي، حيثُ لوحظ أنها أولُ مرةٍ تقومُ فيها دولةٌ عربيةٌ باحتلالِ كاملِ الـتُـرابِ الوطني لدولةٍ عربيةٍ أُخرى وشَطْـبِـها منْ عـلَى الخارطة، مما كانَ لـهُ آثارُه الكارثيةُ على النظامِ العربـيِ، والأمنِ العربـيِ، والعلاقاتِ العربيةِ – العربيةِ، وعلاقاتِ العربِ بالـقِـوى الدوليةِ وبخاصةٍ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية.

ومهما كانتْ أهدافُ وحساباتُ واشنطن منَ الحربِ الأخيرةِ ضدَّ العراق، والتي ترتبطُ في جانبٍ هامٍ منها بالنفطِ والطموحِ الإمبراطوري للولاياتِ المتحدة في ظلِ هيمنـةِ المحافظينَ الـجُـدد على مراكزِ القرار، فمن المؤكدِ أنَّ ما حدثَ – ويحدثُ حالياً – في عراقِ ما بعدَ صدام حسين لهُ انعكاساتُـهُ القائمةُ والمحتملة، المباشرةُ وغـيـرُ المباشِـرَةِ على منطقةِ الخليجِ بصفةٍ خاصة، وعلَى النظامينِ العربيِ والدوليِ بصفةٍ عامة، فضلاً عنِ انعكاساتِـهِ على الانتخاباتِ الأمريكيةِ التي سُتجرى في نوفمبر من هذا العام، وعلَى الدورِ العالميِ للولاياتِ المتحدة.

من هُنا كانَ حرصُ مركزِ الخليجِ للأبحاث على تنظيمِ هذهِ الحلقةِ النقاشيةِ، بِـهدَفِ رصدِ وتحليلِ واستشرافِ الآثارِ والتداعياتِ الاقتصاديةِ والأمنيةِ والسياسيةِ للحربِ والاحتلالِ على دُولِ مجلسِ التعاونِ الخليجي، فضلاً عنْ بلورةِ رُؤًى ومقترحاتٍ بخصوصِ السياسةِ التي يمكنُ أن تنتهجَها هذِهِ الدولُ بشأنِ التعامُلِ معَ المسألةِ العراقيةِ  على النحوِ الذي يسهِمُ في تحقيقِ استقلالِ العراق، وضمانِ وُحْـدَتـِـهِ واستقرارِه، باعتبارِ أنَّ ذلكَ يشكِّلُ عنصراً هاماً لتحقيقِ الاستقرارِ والأمنِ في منطقةِ الخليج، فلا استقرارَ على الصعيدِ الخليجيِ من دونِ استقرارِ العراق، ولا أمنَ من دونِ أن يكونَ العراقُ جزءاً من أيِ ترتيباتٍ أمنيةٍ مستقبلية. والتحدي الحقيقيُ الذي يواجِهُ جميعَ الأطرافِ المعنيـةِ هو كيفَ يمكنُ وضعُ العراقِ على طريقِ الأمنِ والاستقرارِ والديمقراطية؟

أيــها السيداتُ والسادة:

لا يختلفُ اثْـنانِ على أنَّ العراقَ يشكِّلُ دولةً محوريةً في منطقةِ الخليجِ بحكمِ الجغرافيا والتاريخِ والوزنِ الديموغرافي، ناهيكَ عنْ موقـعِـهِ في السوقِ العالميةِ للنفطِ باعتبارِه يمتلكُ ثانـيَ أكبرِ احتياطيٍ نفطيٍ في العالم. ومِـن هُـنا تأتي أهميةُ فهمِ ومُتابعةِ ما يحدثُ على الساحةِ العراقية، لأنَّ دولَ المنطقةِ لن تستطيعَ أن تعزِلَ نفسَها عَـنِ التداعياتِ السلبيةِ التي يمكنُ أن تنجُـمَ عن وقوعِ العراقِ في أتـُـونِ حربٍ أهليةٍ قد تُفضي إلى تفكُّكِ الدولةِ العراقية، ففي هذهِ الحالةِ يمكنُ أن يصبحَ العراقُ بؤرةً لتصديرِ التطرُّفِ والـعُـنفِ والإرهاب، ولذا يتعينُ على جميعِ الأطرافِ المعنيةِ أن تـعِـيَ درسَ التاريخِ جيداً. فعِندما تغيبُ سلطةُ الدولةِ ويتفكَّـكُ كيانـُـها، ينفـتِـحُ البابُ أمامَ جماعاتِ التطـرُّفِ وقِوى الإرهاب، وما حدثَ في كُـلٍ من الصومال وأفغانستان ليسَ بعيداً عنِ الأذهان. ومن هُنا فإن مِنَ الـمُهمِّ البحثَ في شُروطِ ومتطلباتِ تجنيبِ العراقِ هَذا المصير.

والأهمُ من هذا، أنَّ الحربَ وتداعياتـِـها خلقتْ بيئةً أمنيةً جديدةً في منطقةِ الخليج، حيثُ خرجَ العراقُ من ميزانِ القوةِ ولو لبعضِ الوقت، كما حدثَ تغييرٌ ملحوظٌ في أولوياتِ العلاقاتِ العسكريةِ لواشنطن مع دُولِ مجلسِ التعاوُنِ الخليجي. وهُناكَ اتجاهٌ لتأسيسِ قواعدَ عسكريةٍ أمريكيةٍ دائمةٍ في العراق، كما أن نقل السلطة إلى العراقيين منتصفِ هذا العامِ قدْ لا يعني وضعَ نهايةٍ للتدهوُرِ الأمنيِ في البلاد، وبخاصةٍ في ظِـلِ تَوَجُّـهِ اسبانيا في ظلِ الحكومةِ الجديدةِ إلى سحبِ قُواتِها مِنَ العِراق، والأرجحُ أنَّ دُولاً أُخْرى قدْ تتبعُها. وكلُ هذا وغيـرُه يطرحُ العديدَ منَ القضايا والتساؤُلاتِ حولَ مُستقبلِ الترتيباتِ الأمنيةِ في المنطقة، ودورِ كلٍ من إيرانَ وعراقِ ما بعدَ صدام حسين في هذهِ الترتيبات، ومُستقبلِ الجيشِ العراقيِ الجديد، فضلاً عنْ مُستقبلِ الوجودِ العسكريِ الأمريكيِ في المنطقة.

أيـُّـها الحضورُ الكرام:

إن التأثيراتِ المحتملةَ لـما يحدُثُ في العراقِ علَى الأوضاعِ الاِقتصاديةِ وعلى السياساتِ الداخليةِ في دُولِ المجلسِ لا تقلُّ أهميةً وخطورةً عن تأثيراتِهِ الأمنية، فالتطوراتُ المستقبليةُ في العراقِ يمكنُ أنْ يكونَ لها انعكاساتُها على الأسواقِ العالميةِ للنفط، مما سيؤثرُ بأشكالٍ مختلفةٍ ودرجاتٍ متفاوتةٍ في دُولِ المجلسِ التي لا يزالُ يشكِّلُ النفطُ العصبَ الرئيسيَ لاقتصاداتـِـها، كما أن هُناكَ قضايا الدُيونِ والتعويضاتِ المستحقةِ لهذهِ الدُولِ علَى العراق، والتي قامَ بعضُها بإسقاطِ جُـزءٍ منها، ناهيكَ عنِ الغيابِ شبهِ الكاملِ لدُولِ المجلسِ عنْ عمليةِ إعادةِ الإعْمارِ في العراقِ على الرغمِ منْ أنَّها تمتلكُ الكثيرَ مِنَ المميزاتِ النسبيةِ بالمعاييرِ الاِقتصاديـةِ والتجاريةِ بخُصوصِ هذَا الملف، وهو ما يُؤكدُ ضرورةَ التفكيرِ بشكلٍ عـلـميٍ ومنهجيٍ في الاِنعكاساتِ الاقتصاديةِ لـما يحدُثُ في العراقِ على اقتصاداتِ هذهِ الدُولِ وسُـبُلِ التعامُل معَها.

ولعلكُم تشارِكُونني الرأيَ بأنهُ أياً كانَ شكلُ مستقبلِ النظامِ السياسيِ في العراق، وسواءٌ تـمَ توفيرُ الظروفِ والمعطياتِ التي تُـفسِحُ الطريقَ لتأسيسِ نظامٍ ديمقراطيٍ في هذا البلد، أو تحركتِ الأوضاعُ -لا سمح الله- على طريقِ الصراعِ الداخليِ والحربِ الأهلية، فإنه في الحالتينِ ستكونُ هناكَ انْعكاساتٌ مباشرةٌ أو غيرُ مباشرةٍ على الأوضاعِ السياسيةِ الداخليةِ في دُولِ المجلس، مما يضعُ أمامَ هذِهِ الحلقةِ النقاشيةِ مهمةَ مناقشةِ هذهِ الاحتمالاتِ ورصدِ تداعياتِها على المنطقة، والتفكيرِ في سُبلِ تجنيبِ العراقِ والمنطقةِ السيناريو الأسوأَ وتبعاتِه.

أيـُّـها الإخوة والأخوات:

إنَّ منطقـتَـنا تمرُّ بمنعطفٍ تاريخيٍ خطير، بل لا أُبالغُ إذا قلتُ إن مستقبلَ العربِ في الميزان، وبخاصةٍ في ظلِ الأزماتِ والمشكلاتِ الحادةِ والمتزامنةِ التي يعيشُها الوطنُ العربيُ وسطَ ضغوطٍ دوليةٍ هائلة، وحالةٍ منَ الانكشافِ الأمنيِ لم يشهدْها النظامُ العربـيُ منذُ نشأتِـه، ناهيكَ عنْ موجةِ المبادراتِ الخارجيةِ  المطروحةِ تحتَ شعارِ إصلاحِ الأوضاعِ العربيةِ الراهنة.

وبغضِّ النظرِ عما تطرحُه الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ  أو غيـرُها بشأنِ الإصلاحِ في العالمِ العربي، فمنَ الأمانةِ القولُ: إنَّ هناكَ الكثيرَ منَ السلبياتِ وأوجُهِ القُصُورِ التي تحتاجُ إلى إصلاح، وإذا كانَ التوجُّـهُ العامُّ هو رفضَ خططِ الإصلاحِ المفروضةِ من الخارج، فإنهُ منَ المهمِ أن يكونَ الردُّ العربيُ عليها بالأفعال وليس بالأقوال، وذلك بتبني وتنفيذِ خُططٍ ذاتيةٍ للإصلاحِ الحقيقيِ والجدي، الذي يتعاملُ معَ جُذورِ المشكلاتِ حسبَ أولوياتٍ  مدروسةٍ وخططٍ محددة، ولا يأتي كردودِ أفعالٍ ظرفيةٍ على ما تطرحُه أطرافٌ أخرى. إنَّ رفضَ الخططِ الخارجيةِ للإصلاحِ يجبُ ألاَّ يكونَ مسوِّغاً لتبريرِ استمرارِ الأوضاعِ الراهنةِ أو التعامل معَها بالأسلوبِ القائم على مبدأ: “خطوةٌ إلى الأمامِ وخطوةٌ إلى الخلف”، والذي أدى إلى حالةٍ منَ الجمودِ والتكلُّسِ والاحتقانِ  في عديدٍ منَ الدُول العربية.

وانطلاقاً منْ هذِهِ الأوضاع، فإنهُ من المهمِ بلورةُ استراتيجيةٍ عربيةٍ تُجاهَ العراق، ويمكنُ لدُولِ مجلسِ التعاوُنِ الخليجيِ أن تأخذَ زِمامَ المبادرةِ في هذا الأمر، باعتبار أنَّ مستقبلَ العراقِ ستكونُ لهُ انعكاساتـُـه على منطقةِ الخليجِ والوطنِ العربيِ بصفةٍ عامة. وإِذا لـمْ يتحركِ العربُ بجديةٍ وفاعليةٍ لصياغةِ مستقبـلِـهمْ فسوف يحددُّه لهمُ الآخرون.

أيــها السيدات والسادة:

إنَّ اهتمامَ مركزِ الخليجِ للأبحاث بالمسألةِ العراقية، ليسَ منْ قبيلِ الاهتمامِ العارضِ أو الطارئ، ولكنهُ اهتمامٌ أصيلٌ ينبعُ من رسالةِ المركزِ وأهدافِـهِ باعتبارِ أنَّ العراقَ يشكلُ طرفاً محورياً في منطقةِ الخليج، خصوصاً أنَّ ما يحدُثُ حالياً في العراقِ يُعتبرُ مــنَ العواملِ الحاكمةِ لمستقبلِ المنطقة.

ومِنْ هذا المنطلق، فإنَّ المركـزَ انشأ برنامجاً بحثياً شاملا عن العراق ويُصدِرُ سلسلةً علميةً متخصصةً ومُحكَّـمةً بعنوان “دراسات عراقية”، تظهرُ باللغتينِ العربيةِ والإنجليزيةِ، وتقومُ بنشرِ الإسهاماتِ العلميةِ الجادةِ التي تتناولُ قضايا عراقيةًً سواءٌ على الصعيدِ الداخلي، أو على صعيدِ العلاقاتِ الخارجيةِ الإقليميةِ والدوليةِ للعراق. كما أنَّ المركزَ يفرِدُ جزءاً خاصاً للعراقِ في تقريرِه السنويِ، والذي يصدُر في يناير من كلِ عام، كما أنهُ قامَ بإعدادِ ونشرِ وترجمةِ العديدِ منَ الدراساتِ والتقاريرِ عنِ العراق، من أهمها ورقةٌ تعرِضُ لاستراتيجيةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ مقترحةٍ لدُولِ المجلسِ تُجاهَ العراق. ويمكنكُمُ الاطلاعُ على كلِ هذهِ المطبوعاتِ على موقعِ المركزِ على شبكةِ الإنترنت             
(www.grc.ae ).

ونظراً لأهميةِ استطلاعِ آراءِ العراقيينَ حيالَ مُستقبلِ بلدِهم، ولما كانتْ معظمُ استطلاعاتِ الرأيِ السابقةِ في العراق قد نفذتْها جهاتٌ أجنبيةٌ أو جهاتٌ عراقيةٌ لحسابِ سُلُطاتِ الاحتلال، فإنَّ المركزَ أخذَ مبادرةً ربما لم يسبقْـهُ إليها مركزٌ عربيٌ آخر، حيث يقوم بتنفيذِ مشروع بحثي كبير عن استطلاعِ آراءِ عينةٍ مُمَـثِّلةٍ للشعبِ العراقيِ بـمُخـتَـلِـفِ فئاتِه وطوائـفِـه ومناطـقِـهِ بشأنِ مختـلِـفِ القضايا الـمُـثارَةِ على الساحةِ العراقية. وقدِ انتهى فريقُ البحثِ في بغدادَ من العملِ الميداني، وسينشرُ المركزُ النتائجَ كاملةً قريباً علــــى موقـعِـهِ على شبكةِ الإنترنت، كما سيُصدِرُها في كتاب.

أيـُـهـاالإخوةُ والأخوات:

مرةً أخرى أرحِّبُ بكمْ جميعاً، متمنياً لكُمْ طيبَ الإقامةِ، وللحلقةِ النقاشيةِ كلَّ النجاحِ والتوفيق، وإننا لعلَى ثقةٍ تامةٍ من أنَّ إسهاماتـِـكُـمُ البنَّاءةَ ومناقشاتـِـكُمُ المثمرةَ سوف يكون لها كبيرُ الأثرِ في استشرافِ التداعياتِ المستقبليةِ لـمَـا يجري حالياً في العراق، وبلورةِ مُقترحاتٍ عمليةٍ للتعامُلِ مـعَـها على قاعدةِ صياغةِ مستقبلٍ أفضلَ لهذا البلد، وتجنيبِ المنطقةِ أيَّ تداعياتٍ سلبيةٍ يـمـكنُ أن تترتبَ على أيِّ سيناريـوهاتٍ لا نرغـبُـها ولا نتمنَّاها له، خصوصاً أنهُ يمتلكُ الكثيرَ منَ الثرواتِ الطبيعيةِ والبشريةِ والنفطيةِ التي تؤهلُه للانطلاقِ والنهضةِ بعد سنواتٍ من الاستبدادِ والحروبِ والحصارِ والمآسي.

كما يسعدُ المركزَ أن يرحِّبَ بإسهاماتِكم العلميةِ المتميزةِ حتى يُقدِّمـَـها إلى القراءِ الكرامِ ضمنَ مطبوعاتِه التي تصدُر باللغتينِ العربيةِ والإنجليزية، ويمكنكُمْ مطالعـتُـها على موقِـعِـه على شبكةِ الانترنت (www.grc.ae) .

وعلى أَملِ أن يتجدَّدَ اللقاءُ بيننا في مناسباتٍ علميةٍ قادمة، فإننا نتمنى لكُمْ جميعاً كلَّ التوفيق.

والسلامُ عليكُـمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

محاور ( الندوة )

 تتضمن الندوة عدة محاور ، تقوم على أساس تقديم بحث في كل محور ، على أن يكون هناك تعقيب عليه.

المحور الأول : العراق، إلى أين؟

 الانعكاسات ، القائمة والمحتملة ، للحرب والاحتلال على الأوضاع السياسية الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي

 الهدف من هذا المحور هو رصد وتحليل واستشراف انعكاسات الحرب والاحتلال على الأوضاع السياسية الداخلية في دول المجلس ، وذلك من خلال تناول عناصر عديدة منها : · قضايا الإصلاح السياسي الداخلي في دول المجلس ، وموقع هذه القضايا على أجندة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة على ضوء الحرب وتداعياتها · التأثيرات القائمة والمحتملة للحرب والاحتلال على المجتمع المدني في دول المجلس . · احتمالات بروز تيارات إسلامية راديكالية فـي بعض دول المنطقة فى ظل آثار الحرب والاحتلال . · تداعيات الحرب والاحتلال على الاستقرار السياسي فى دول المجلس . · انعكاسات النجاح فى تأسيس نظام ديمقراطي فى العراق على دول المجلس . · انعكاسات الفشل فى تحقيق الديمقراطية فى العراق على دول المجلس .

 المحور الثاني: الانعكاسات الأمنية ، القائمة والمحتملة ، للحرب والاحتلال على دول المجلس

 يتناول هذا المحور بالرصد والتحليل الانعكاسات الأمنية – الآنية والمستقبلية – للحرب والاحتلال على دول المجلس بصفة خاصة، وذلك استنادا إلى مداخل عديدة منها : · طبيعة البيئة الأمنية الجديدة ومصادر تهديد الأمن في الخليج في ضوء نتائج الحرب والاحتلال. · عراق ما بعد صدام حسين، هل هو عامل للاستقرار أم لعدم الاستقرار فى المنطقة ؟ · طبيعة ميزان القوة العسكرية فى المنطقة فى ضوء الحرب وتداعياتها، وبخاصة بعد خروج العراق من معادلة ميزان القوة ولو لبعض الوقت . · رؤى دول المجلس لقضية أمن الخليج . · طبيعة الترتيبات الأمنية الجديدة في المنطقة ودور دول المجلس فيها. · درع الجزيرة ومستقبل التعاون العسكري بين دول المجلس فى ضوء مستجدات ما بعد الحرب والاحتلال .

المحور الثالث : الانعكاسات الاقتصادية،الآنية والمستقبلية، للحرب والاحتلال على دول مجلس التعاون الخليجي

 يسعى هذا المحور إلى رصد وتحليل الانعكاسات الاقتصادية ، القائمة والمحتملة ، للحرب على اقتصادات دول المجلس ، وذلك من خلال عناصر عديدة منها: · انعكاسات الحرب على القطاعات الاقتصادية فى دول المجلس مثل الاستثمار والسياحة والشحن والتأمين والبورصات وغيرها. · تأثيرات الحرب والاحتلال على أسعار النفط ، وانعكاسات ذلك على العائدات النفطية لدول المجلس . · طبيعة الأعباء المالية التي تحملتها أو يمكن أن تتحملها دول المجلس من جراء الحرب والاحتلال وتداعياته . · مستقبل الديون والتعويضات المستحقة لبعض دول المجلس على العراق في ظل ترتيبات مابعد الحرب . · حدود مساهمة دول المجلس فى إعادة الإعمار . · مستقبل الدولة الريعية في منطقة الخليج في ضوء نتائج الحرب وتداعياتها .

المحور الرابع: دول مجلس التعاون الخليجي والتعامل مع العراق : ما العمل؟

 الهدف من هذا المحور هو طرح وبلورة بعض الأفكار والمقترحات بشأن السياسة أو الاستراتيجية التي يجب أن تتبناها دول المجلس تجاه المسألة العراقية وما يرتبط بها من مستجدات وتطورات ، وذلك انطلاقا من أرضية المصالح الوطنية لهذه الدول ، والمرتبطة فى جانب هام منها بتحقيق الأمن والاستقرار فى الخليج . · هل دول المجلس قادرة على تبنى استراتيجية موحدة تجاه العراق ؟ · ماهى أهم مرتكزات وعناصر هذه الاستراتيجية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني؟ وماهى أساليب وأدوات تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية؟

Scroll to Top