اسرائيل وتعرية المعتقلين والعقل العربي
انتشرت قبل ايام صور ومقاطع فيديو لمعتقلين فلسطينيين في غزة شبه عراة لا يرتدون سوى ملابس داخلية رؤوسهم منحنية والجنود الاسرائيليون محيطين بهم. الصور ومقاطع الفيديو اثارت ردود فعل غاضبة واعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها وقالت “إن كل المحتجزين والمعتقلين يجب أن يعاملوا بطريقة إنسانية وبكرامة وفقاً للقانون الإنساني الدولي”. الدكتوره حنان عشراوي وصفت هذا المشهد على حسابها في منصة اكس بأنه “محاولة سافرة لإذلال وإهانة الرجال الفلسطينيين، الذين تم اختطافهم من منازل عائلاتهم، وتجريدهم من ملابسهم وعرضهم مثل جوائز الحرب. وهذا مظهر آخر من مظاهر اللاإنسانية والإجرام الإسرائيلي”.
الجيش الاسرائيلي وبعد الانتقادات الواسعة لفعلته القبيحة بررها بالقول” في كثير من الأحيان يكون من الضروري على المشتبه فيهم خلع ملابسهم حتى يتسنى تفتيشها والتأكد من أنهم لا يخفون سترات ناسفة أو غيرها من الأسلحة”.
حقيقة الأمر أن تعرية المعتقلين كان فعلاً مقصوداً بهدف اذلالهم واهانتهم كما جاء في تغريدة الدكتوره حنان عشراوي، وهذه الصور والمقاطع ترجعنا مباشرة إلى العام 2004 وفضيحة سجن أبو غريب حيث تعرض المعتقلون العراقيون لانتهاكات جسدية ونفسية وإساءات جنسية على يد جنود الاحتلال الامريكي.
آنذاك نشر الصحفي الامريكي الشهير سيمون هيرش مقالاً مطولاً بعنوان المنطقة الرمادية The Gray Zone (ترجمة علي الحارس) كشف فيه أن التعذيب كان سياسة ممنهجة أعتمدها وزير الدفاع الامريكي السابق دونالد رامسفيلد بهدف انتزاع معلومات من المعتقلين العراقيين عن عمليات المقاومة من خلال إكراههم البدني وإذلالهم الجنسي.
ومن أهم ما تضمنه المقال ما ذكره هيرش بان اعتماد اسلوب في التعذيب يتسبب في الاذلال والاهانة كان مصدره كتاب رافائيل باتاي المعنون العقل العربي) (The Arab Mind المنشور عام 1973، وينقل هيرش عن أحد الاكاديميين أن الكتاب كان بمثابة انجيل المحافظين الجديد لفهم “السلوك” العربي.
وحسب هيرش فإن أحد الأفكار الرئيسة التي استخلصها المحافظون الجدد من الكتاب هي أن ” العرب لا يفهمون إلا القوة وأن ” أكبر نقطة ضعف عندهم هي العار والذل “. الكتاب الذي يقع في 460 صفحة وتناول مواضيع منها: أساليب تنشئة الطفل العربي، واللغة العربية، والاخلاق البدوية، أصبح-كما جاء في مقال هيرش- مصدراً يُعتمد عليه في الولايات المتحدة خاصة بين النخب السياسية والعسكرية.
يتضمن الكتاب تعميمات كثيرة عن العرب، فحسب باتاي فإن “الأخلاق العربية تحوم حول نقطة مركزية واحدة، وهي احترام النفس وتقديرها. وكرامة العربي تستند إلى الاحترام الذي يحصل عليه من الآخرين، ولذلك فإن تعرضه للإهانة يلحق الأذى بكرامته، ولأن احترام النفس عرضة إلى هذا الحد لتدخل الآخرين، فإن العرب حذرون جدا من أن يتعرضوا للاستصغار ويجدون إهانات شخصية حتى في الملاحظات والأعمال التي لا تحمل أي نية بذلك. ويقول أيضاً ” على العكس مما يتوقعه المرء من المعنى الحرفي لمفهوم (احترام النفس أو الذات،) وهي الفريضة الأخلاقية العربية المطلقة، فإن هذا التقييم المهم لاحترام النفس لا يستند إلى سلوك الفرد نفسه بقدر ما ينطلق من الموقف والعلاقة التي يبديها تجاهه الآخرون ، ويعتمد احترام النفس عند العرب على ما إذا كان الآخرون يحترمونه أم لا: أي ما إذا كان الآخرون يبدون موقفاً محترماً تجاهه”.
تعميم آخر من الدراسة المطولة يقول بأن العرب أمة كلام فهم يكتفون بالكلام عن الفعل، فحسب باتاي “تشكل التهديدات اللفظية ميزة شائعة في الشخصية العربية وهي إفراز من افرازات خاصية الاستعاضة عن الأفعال بالأقوال“
العربي- كما يرى باتاي “يقوم بتوجيه تهديدات أو طلبات لا ينوي تنفيذها، لكنه يجد فيها حين يلفظها استرخاء في توتر عواطفه وراحة نفسية، إضافة إلى تخفيف الضغط الناجم عن الحاجة إلى القيام بعمل ما لتحقيق الهدف المذكور لفظاً”.
لعل في هذا التصوير ل “الشخصية العربية” ما يفسر عدم اكتراث المسؤولين الأمريكيين بما يصدر عن العرب من بيانات عن العدوان الإسرائيلي على غزة.
وعودة لصور المعتقلين الفلسطينيين شبه العراة يبدو لنا أن الجيش الاسرائيلي سار على منهج المحافظين الجدد، وحاول من خلال هذا الفعل تطبيق تعميمات رافائيل باتاي (وهو بالمناسبة يهودي) عن الشخصية العربية في كتابه العقل العربي بهدف كسر المقاومة الفلسطينية من خلال الإهانة والإذلال.