“نحن نحارب حيوانات بشرية”
هكذا وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الشعب الفلسطيني في غزة وبرر فرض حصار شامل عليهم يحرمهم من الماء والغذاء والكهرباء والوقود. وفي هذا الوصف ما يكفي للدلالة على نية إسرائيل على القيام بكل شيء وأي شيء للانتقام حتى لو تسبب في قتل الأطفال والشيوخ وهدم المستشفيات والملاجئ ومن ثم تنتفي الحاجة للتساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصله إسرائيل في هجومها أو استعدادها لاستهداف المستشفيات وقتل الآلاف. فهؤلاء مجرد “حيوانات بشرية” ولذلك فكل أذى لهم ومهما كان شنيعا فهو جائز ومشروع فهم يستحقونه.
لذلك لا حاجة للانشغال بمحاولة عقلنة أفعال إسرائيل وطرح تساؤلات على نحو: هل يعقل أن يستهدف الجيش الإسرائيلي مستشفى ويقتل المئات من المرضى والأسرى الذين لجئوا للمستشفى يحتمون به ظناً منهم أن إسرائيل -وأثناء تسليط الأضواء من كافة أنحاء العالم عليها- ستحترم قواعد الاشتباك واتفاقيات جنيف التي تحٌرم استهداف المستشفيات. الجيش الإسرائيلي لا يرى أنه مٌلزم بهذه الاتفاقيات فهو يقتل حيوانات “بشرية” وهذه القواعد والاتفاقيات لا تشملهم.
إن وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية” ليس وصف طارئ وليد اللحظة وردة فعل على هجمات كتائب القسام بل يتغذى من مخزون هائل من الكراهية والنظرة الدونية التي يحملها الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين وربما العرب إجمالا. فقد درج الإسرائيليون على استخدام عبارة “mown the grass وتعني” قص العشب” لوصف استراتيجية الجيش الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.
هذه عبارة ذات دلالة في غاية الأهمية؛ فالفلسطينيون ليسوا سوى عشب يجب التخلص منهم. يقول ديفيد واينبرغ من معهد الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية “كما تقص العشب في الحديقة، فإن هذا (التخلص من الفلسطينيين) عمل شاق ومستمر، إذا فشلتَ في القيام به فستنمو الأعشاب الضارة وتبدأ الثعابين في الزحف داخل الحديقة”.
هذه صورة الشعب الفلسطيني عند المتطرفين الإسرائيليين فهم مجرد أعشاب ضارة وثعابين لا بد من التخلص منهم. لذلك لا يمكن فهم ما حدث سواء هجمات كتائب القسام أو ردة الفعل الإسرائيلي التي تعتمد سياسة التدمير الكامل والتحرك المطلق دون أي اعتبار لقواعد اشتباك وقانون دولي انساني من غير فهم للفكر المتطرف الإسرائيلي الذي، وإن لم يكن غائبا أبدا منذ تأسيس إسرائيل، إلا أنه شهد قفزة خلال السنوات الأخيرة وأصبح مٌمَكَنٌ سياسياً وشريك في رسم السياسات. فلا يمكن تجاهل وجود شخصيات متطرفة وكارهة للعرب في الحكومة الإسرائيلية مثل إيتمار بن غفير وزير الامن القومي وبتسلئيل سموتريتش وتأثيرهم على صناعة قراراتها. حركة كاخ اليهودية المتطرفة كانت البيئة التي نشأ فيها بن غفير حيث تتلمذ على يد زعيمها الإرهابي مائير كاهانا، أما بتسلئيل سموتريتش فهو زعيم حزب الصهيونية الدينية الذي يكشف اسمه عن مدى تطرفه.
فهؤلاء الذين دأبوا على القيام باقتحامات متكررة للمسجد الأقصى لاستفزاز مشاعر المسلمين لا يتورعون عن إطلاق تصريحات عنصرية مقيتة بحق الفلسطينيين. فسموتريتش يخاطب النواب العرب في الكنيست بأن وجودهم خطأ… “لقد أخطأ بن غوريون في 1948، كان عليه أن ينهي مهمته ويلقي بجميع العرب خارج فلسطين”. ويقول ” لا يوجد شعب فلسطيني.. وليس هناك تاريخ أو ثقافة فلسطينية”. هذا المتطرف يتمتع بمنصبين في حكومة نتنياهو، فبجانب وزارة المالية فقد أٌوكل له دوراً موازياً لوزير الدفاع وكلف بما يسمى بالإدارة المدنية لتنسيق سياسات وأنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
لقد كشف سموتريتش عن تطرفه في ورقة نشرها قبل سنوات تحت عنوان خطة إسرائيل الحاسمة قدم فيها مقترح مفصل لإنهاء القضية الفلسطينية. الفكرة الأساسية لهذا المقترح تقوم على قناعة سموتريتش بأن استمرار القضية الفلسطينية سببه هو أن الشعب الفلسطيني لديه أمل في قيام دولة فلسطينية يوما ما، ولذلك فإن الحل هو تصفية هذا الأمل من خلال إكراه الفلسطينيين إما على القبول بالعيش في إسرائيل مجرد أفراد بلا هوية وطنية أو إجبارهم على الهجرة للدول العربية أو لأي دولة تقبلٌ بهم.
ومنذ اللحظة الأولى لتشكيلها في العام الماضي وٌصفت حكومة نتنياهو بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل وحذرت واشنطن من أن وجود هذه الشخصيات المتطرفة في الحكومة سيكون لها تبعات خطيرة، ويبدو أن تلك التحذيرات قد تحققت اليوم.
لا يمكن لنا ان نتصور تأثير هؤلاء المتطرفين ودورهم الرئيس في الوصول إلى هجمات السابع من أكتوبر وسياسة التدمير الشامل لغزة سوى بالعودة إلى العام 2014 حين تمكنت داعش من السيطرة على الموصل وارتكاب جرائمها الإرهابية بحق مواطنيها العٌزَل.
تمكين الفكر المتطرف في إسرائيل يقتضي من المجتمع الدولي إعادة النظر في المسلمات السابقة حول إمكانية قبول تل أبيب تسوية سلمية الصراع والمراهنة على استعدادها للتعايش مع جيرانها.