السابع من أكتوبر: تلاشي فرص السلام أم عتَبةٌ نحوه
هجمات كتائب القسام غير المسبوقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية والتي نتج عنها مقتل أكثر من 1000 إسرائيلي، وإعلان إسرائيل حرباً شاملة على قطاع غزة وفرض حصار ظالم على سكانه وحرمانهم من الماء والغذاء والدواء، والدعم اللامحدود من الحكومات والنخب الغربية- والذي وصل حد الاستعداد للتضحية بقيم سياسية راسخة مثل حرية التعبير- تمثل تطورات كبرى إما أن تكون سبباً في القضاء على أي فرصة للسلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، أو أن تكون طريقاً نحو السلام حيث أن البديل هو صِدام لا نهاية له ولا رابح فيه.
فمن جهة فإن حجم الهجمات وعدد القتلى قد يجعل الاسرائيليين بكافة طوائفهم وتوجهاتهم لا يقبلون بالتعايش مع من تسبب في هذه الكارثة التي لا مثيل لها منذ تأسيس إسرائيل، ولا يرون سوى مواجهته وتصفيته مع ضمان دعم كامل من الغرب الذي كشفت هذه الهجمات عمق ارتباطه بإسرائيل واستعداده التام للدفاع عنها، حتى لو تطلب ذلك التخلي عن جميع المبادئ التي صارع طويلاً من أجلها.
ومن جهة أخرى فإن الفلسطينيين وهم يرون هذا التدمير الذي تقوم به إسرائيل والجرائم التي ترتكبها بحق أكثر من مليوني مدني في قطاع غزة، والدعم العسكري الذي بلغ حد إرسال حاملات طائرات وصواريخ كروز و مدمرات صواريخ وأسراب طائرات مقاتلة قد لا يرون سوى الكفاح المسلح سبيلاً لتخليصهم من معاناتهم من عدو لا يرقبُ فيهم إلاً ولا ذمةُ. هذا المسار يتفق مع قاعدة العنف يولد العنف وهو مسار محتمل وغير مستبعد ويتسبب في خسائر كبيرة للجميع.
ولكن هناك في المقابل مسار آخر وفق قاعدة من رحم المعاناة يولد الأمل. فرضية هذا المسار أن يفيق الفلسطينيون والإسرائيليون من هول الكارثة التي حلت بهم ويدركون أن الوقت قد حان لوضع حد لصراع ممتد لأكثر من سبعة عقود، وتمكين الأجيال الجديدة من أبنائهم من التعايش وإنهاء حالة الذعر والكراهية في حياتهم. هذا خيار صعب جداً خاصة بعد ما حدث، إلا أنه ليس مستحيل وفي التاريخ حالات مماثلة حيث انتهت حروب ومآسي إلى سلام دائم.
اليوم هناك تطرف اسرائيلي حاد وتمكين له في القرار السياسي، وانقسام فلسطيني يصعب تجاوزه، وتباين عربي يزداد خاصة بعد اتساع مساحة التطبيع، ودعم غربي لا محدود، ومؤسسات دولية ضعيفة وقوى دولية لها حساباتها، وهذه توليفة تجعل التسوية السلمية في حال اختيارها أمر صعب يتطلب جهوداً مكثفة وتفكير عميق وخلاًق ومداولات لا تنقطع للخروج من هذا النفق الذي قد تخنق الجميع عتمته وضيقه قبل الوصول إلى نهايته.
أخيراً وبقدر ما أثارته هجمات كتائب القسام وحرب إسرائيل اللامحدودة على غزة من ذهول، فإن ردة الفعل الغربية لا تقل غرابة حيث فضحت هزالة الإيمان بحقوق الإنسان حينما يتعلق الأمر بالشعوب التي لا تنتمي للحضارة المسيحية اليهودية.