سمو ولي العهد على قناة فوكس
في مقابلته مع قناة فوكس نيوز الأمريكية الشهيرة تناول سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مواضيع متعددة شملت العلاقات الدولية والاقتصاد والقضاء والتقنية وحتى الرياضة والسياحة وكافة التحولات التي تشهدها المملكة. وفي هذه الأسطر سأقتصر في تعليقي على المسائل السياسية بحكم التخصص، ولأنها كذلك كانت الجانب الرئيسي الذي ركز عليه المحاور في دلالة على رغبة من القناة ومسؤوليها ومشاهديها للتعرف على توجهات السياسة الخارجية السعودية وما يثار من وقت لآخر حولها في الإعلام الأمريكي. وليس هناك طريقة للتعرف على ذلك أفضل من الحديث مع صانعها.
ولكن قبل الحديث عن المسائل السياسية التي طرحها المحاور على سمو الأمير وردوده على أسئلته بشأنها لابد أولاً من الإشارة إلى ما ظهر من المقابلة إجمالاً حيث كشفت عن إدراك سموه لأهمية هذا اللقاء حيث يتطلع الكثير داخل الولايات المتحدة وخارجها للتعرف عليه وعلى ما يجري في المملكة من تحولات في الشأنين الداخلي والخارجي. فإجابات سموه حملت رسائل هادفة لكل من يشاهد المقابلة وفي مقدمتهم زعماء كثير من الدول الذين يتطلعون إلى تعزيز العلاقات مع المملكة والارتقاء بها إلى شراكات استراتيجية وكذلك حرصهم على مساهمة المملكة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية بحكم مكانتها وقدراتها.
أهم ثلاث رسائل ظهرت من هذه المقابلة هما (1) النظرة الإيجابية والتفاؤل لما يحدث داخل المملكة وخارجها (2) الحس التضامني والحرص على تحقق الفائدة للجميع (3) الشعور بالثقة والقوة في التعامل مع التحديات. فالمملكة لم تعد تنشغل بالماضي وتتحسر عليه كما يفعل البعض ما جعل ذلك الماضي قيداً على تحركاتهم وعائقاً لهم، بل هي تنظر للمستقبل فقط وتسعى لتحسينه ليس لشعبها فحسب ولكن للمنطقة وللعالم. وهي حين تتغير في سياستها تجاه الآخرين فهي تنطلق من ثقة كاملة ومن موقف قوة وليس ضعف من منطلق أن الهدف هو خدمة الشعب وتحقيق آماله ولذلك فالتغيير أمر طبيعي ومطلوب كما ذكر سموه.
ركز المحاور في أسئلته في الشأن السياسي على قضايا هي القضية الفلسطينية وفرص السلام مع إسرائيل والعلاقات مع إيران والصين وروسيا والتسوية في اليمن وقبل ذلك واقع ومستقبل العلاقات السعودية الأمريكية. هذه القضايا تكاد تكون ثابتة في كافة المقالات والحوارات واللقاءات في كل مرة يجري الحديث فيها عن المملكة ليس فقط في الولايات المتحدة بل في جميع العواصم التي يهمها فهم ما يجري في المملكة وفي المنطقة.
تحدث سموه عن القضية الفلسطينية وأعاد تأكيد موقف المملكة الثابت وسعيها لتحقيق السلام وجاءت إجابته واضحة بأن السلام وإقامة علاقات طبيعية بين دول المنطقة له متطلب أساسي وركيزة لا يمكن التحرك بدونها وهي منح الشعب الفلسطيني حقوقه وأن يعيش حياة كريمة.
فيما يخص العلاقات مع إيران والتي حرص المحاور على تكرار السؤال عنها ومعرفة الموقف منها، وهذا أمر متوقع بالنظر إلى توجهات قناة فوكس حيث تعبر عن التوجه المحافظ والمتشدد في السياسة الخارجية الأمريكية، اتسمت إجابات سموه بالواقعية حيث أشار إلى العلاقة المتوترة منذ الثورة، وأن ما يحدث الان يمثل واقعاً جديداً ويمنح فرصة للطرفين للسلام والرخاء، وكان ايجابياً حيث أثنى على الجهود التي تبذلها إيران لإنجاح استعادة العلاقات. وتبينت واقعية سموه مرة أخرى حين أشار إلى الإشكاليات التي تواجه أي دولة ( إيران في هذه الحالة) تسعى للحصول على سلاح نووي وما يترتب على ذلك من تعقيدات في علاقاتها مع العالم أجمع، كما كشفت إجابة سموه إدراكاً لمسألة توازن القوة وضرورة المحافظة عليه من أجل السلام في المنطقة، حيث قال أن حصول إيران على سلاح نووي يمنح المملكة حقاً مشروعاً في الحصول عليه لضمان التوازن، وهذا أمر يؤكده تاريخ العلاقات الدولية الحديث.
في رده على سؤال المحاور عما يطرح من سعي لاتفاق أمني بين المملكة والولايات المتحدة حرص سموه على مسألتين في غاية الأهمية. (أولاً) تأكيد البعد التاريخي للعلاقات ومداها الواسع وأن أي الاتفاقية هي مجرد توثيق لهذه العلاقة الممتدة التي تمثل شراكة استراتيجية (ثانياً) حرص سموه على بيان المنافع المتحققة للشعب الأمريكي من توثيق العلاقات من خلال المنافع الاقتصادية التي ستعود عليه حيث المملكة أكبر شريك للولايات المتحدة في مجال المبيعات العسكرية. وأكد سموه على حدوث تطور في العلاقات مع إدارة الرئيس ليس على مستوى العلاقات الثنائية بل في التعاون في قضايا إقليمية ودولية متعددة. وبعث سموه بإشارات واضحة للمسؤولين الأمريكيين التنفيذيين والتشريعين بأن المجال مفتوح أمام المملكة لتنويع مصادر تسلحها من أي مكان في العالم، إلا أنها حريصة على الإبقاء على تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة لأن في ذلك مصلحة للطرفين.
وبشأن روسيا وأوكرانيا كان سمو ولي العهد صريحاً في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا مع إشارة إلى مبررات روسيا والمتمثلة في توسيع حلف الناتو كما بدد الشكوك حول سياسة المملكة النفطية وما يثار حول اتفاق أوبك بلص بخفض الإنتاج والادعاء بأنه يمثل دعماً لروسيا حيث أشار إلى أن السياسة النفطية السعودية تحددها معايير غير سياسية وتتمثل في حالة السوق ومستويات العرض والطلب.
إجابة سموه على السؤال المتعلق بالتطورات في الملف اليمني كشفت الرؤية الشاملة التي تنطلق منها المملكة تجاه اليمن وتتمثل في استعادة الاستقرار في اليمن وفي كافة المنطقة لأن هذا شرط أساسي للتنمية والازدهار؛ فبدون الأمن والسلام لا يمكن لأي دولة أن تحقق أهدافها التنموية وتطلعات شعبها، وزاد سموه أن المملكة لن تكتفي بمجرد استعادة الاستقرار وتقديم المساعدات والتي تمثل الأكبر في العالم بل تنظر إلى أبعد من ذلك من خلال الاستثمار في الاقتصاد اليمني. لا شك أن هذا موقف متقدم جداً ومتفائل، فبالنسبة لبلد لا يزال يعيش حالة صراع داخلي يصعب على أي طرف خارجي حتى مجرد التفكير في مسألة الاستثمار فيه، فهي غائبة جداً ولأسباب منطقية ومفهومة. الا أن سموه وانطلاقا من رؤيته التي تتسم بالجرأة والتفاؤل الدائمين لم يتردد في الحديث عن الاستثمار في اليمن.
بالنسبة للصين كانت إجابة سموه مختصرة لكنها قوية وفيها رسالة واضحة للمشاهد الأمريكي سواء من النخبة أو من عامة الشعب فقد أشار إلى حجم الصين بشرياً واقتصادياً وأن نجاحها نجاحاً للعالم وفشلها سيكون له آثاراً على العالم أجمع، وهو بهذا يقول للأمريكيين القلقين من الصين بإن من مصلحتكم نجاح الصين وليس فشلها. ولا شك أن من يعرف حجم التداخل الهائل بين الاقتصاد الصيني والأمريكي وكذلك مركزية الصين للاقتصاد العالمي يدرك هذه الحقيقة التي حرص سموه على تأكيدها في مقابلة مع قناة تمثل توجهاً محافظاً ومتشدداً تجاه الصين.
ختاماً وكما أشرت أعلاه فإن قيمة هذا النوع من المقابلات هو الرسائل الموجهة للمشاهد، وقد نجح سمو ولي العهد في استثمار المقابلة لتوجيه رسائل محددة وواضحة لكل من هو منشغل بمعرفة ما تعيشه المملكة ولسياساتها الراهنة وتوجهاتها والمستقبلية.