استحقاقات الانضمام للبريكس
شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تزايد دخول كثير من الدول في تجمعات وتكتلات تعكس إدراكاً لمدى تعقيد التحديات المختلفة التي تواجهها وصعوبة التصدي لها بشكل منفرد؛ حيث تتفوق على القدرات الذاتية الفردية لاي دولة مهما كان حجمها. ومن أبرز هذه التجمعات مجموعة العشرين وتكتل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. وإذا كانت الأخيرة بمثابة تكتل إقليمي أمني بالدرجة الأولى لا يتجاوز نطاقه شمال غرب آسيا رغم توجهه لقبول طلبات للانضمام من دول خارج هذا النطاق، فإن مجموعة العشرين وتكتل البريكس وبالنظر إلى تشكيلهما ونطاق اهتماماتهما تمثلان تجمعان عالميان يصل أثرهما كافة أرجاء العالم.
وفي حين أن لمجموعة العشرين هوية واضحة حيث تجمع بين أكبر عشرين اقتصاد في العالم وتعمل كمنتدى للتعاون الاقتصادي الدولي، هناك جدل حول هوية تكتل البريكس بسبب التباين الكبير بين أعضائه، ولعل الصورة الأكثر شيوعاً عنه وتعززها البيانات الختامية لقممه السنوية أنه تكتل منافس للهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي من خلال أشهر مؤسساته: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
واليوم يكثر الحديث عن توسيع عضوية تكتل البريكس حيث أعرب ما يقرب من عشرين دولة رغبة في الانضمام من بينها المملكة التي رحب أعضاء التكتل بانضمامها. ولا شك أن المشاركة في تكتل بجانب دول بحجم الصين وروسيا والهند يعكس تقديراً لها، إلا أن هناك حاجة لبحث ما قد يترتب على العضوية من استحقاقات. ونلحظ أن معظم ما ينشر عن هذا التكتل يتصف بالعمومية ويكاد يقتصر على مجرد توصيف لقدرات الدول الأعضاء مجتمعة من حيث الاقتصاد والسكان والموارد والمساحة وغيرها من عناصر تظهر تفوقاً كبيراً، مع غياب لقراءات تحليلية تتناول عضوية التكتل وما يترتب قد عليها من استحقاقات.
ولذلك رأينا الوقوف عند طبيعة هذا التكتل للكشف عن أي ملامح خاصة وذلك من خلال قراءة البيانات الختامية للقمم السنوية خلال السنوات العشر مع الإشارة إلى الحاجة لتقييم التبعات الاقتصادية لعضوية هذا التكتل في ضوء ما يصدر عنه من تفضيل لإجراء المبادلات التجارية بين دوله الأعضاء بالعملات الوطنية، وسعي لخلق عملة خاصة جديدة للتخلص من الدولار الذي تنظر له دول البريكس كرمز للهيمنة الأمريكية.
يكشف البحث في بيانات القمم السنوية 2013-2022 لتكتل البريكس عن مواقف وتوجهات وممارسات تكاد تكون ثابتة قد تصبح استحقاقات على الأعضاء الجدد ونعرضها هنا على شكل نقاط وذلك على النحو الاتي: –
- نقد دائم لواقع المؤسسات الدولية ودعوة لإصلاحها: الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية حيث أن هذه المؤسسات -حسب رؤية التكتل- تعبر عن سياق دولي لم يعد موجود، وهو ما أثر على فعاليتها وشرعيتها.
- تقدير المكانة الدولية للهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والدعوة لمنحها دور أكبر في الأمم المتحدة يتناسب مع مكانتها. (عضوية دائمة في مجلس الأمن).
- إدانة الإجراءات القسرية الأحادية التي تمارسها الدول الغربية (فرض العقوبات والتدخلات العسكرية)
- التنديد بازدواجية المعايير وتسييس حقوق الإنسان.
- دعم حق إيران الشرعي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتأييد الاتفاق النووي والمطالبة بالعودة له.
- التأكيد على حق جميع الدول في استكشاف الفضاء الخارجي، وتجنيبه سباق التسلح. ولا شك أن هذهقضية تكاد تكون خاصة ببعض أعضاء التكتل وتحديداً الصين وروسيا وربما الهند.
تشكل هذه المواقف في مجملها رؤية مضادة للرؤية الامريكية والغربية وتتناغم مع سردية روسية وصينية ثابتة حول النظام الدولي، وهذا ربما ما يبرر وصف البريكس بمعسكر تستخدمه الصين وروسيا لمواجهة المعسكر الغربي. ويظهر ذلك أحياناً في تردد الهند تبني لغة قوية وإجراءات للبريكس من أجل حماية علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
هذه المواقف تمثل بنوداً ثابتة في القمم السنوية للتكتل، ولذلك فقد تكون ملزمة للدول التي ستنضم مستقبلاً، وسيكون على الدولة الراغبة في الانضمام للتكتل أن تنظر في مدى انسجام سياستها الخارجية مع هذه المواقف، واستعدادها لتبنيها وجعلها جزء من خطابها الدولي. يقول الرئيس الصيني شي جي بينغ على دول البريكس أن تحافظ على ” تواصل وتنسيق استراتيجي وثيقين بشأن القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية وأن تتحدث بصوت واحد من أجل نظام دولي أكثر عدلاً وإنصافًا…وعليها أن تستوعب المصالح الجوهرية والاهتمامات الرئيسية لبعضها البعض”.
أما بالنسبة لممارسات التكتل الدائمة فتتمثل في عقد لقاء بين رؤساء الدول الأعضاء يسبق انعقاد القمة السنوية لمجموعة العشرين بهدف تنسيق مواقفهم حول جدول أعمال القمة وإصدار بيان مشترك بشأن ذلك.
نختم بالقول أنه وفي ضوء الواقع الدولي المعقد فإن الانضمام للتجمعات والتكتلات له الكثير من الإيجابيات، إلا أن هذه الإيجابيات لا تأتي خالية من الالتزامات وأقلها ضرورة تنسيق المواقف مع بقية أعضاء التكتل ومراعاة توقعاتهم ومصالحهم كما أوصى الزعيم الصيني.