الردع الموسّع والضمانات الأمنية وانتشار الأسلحة النووية: الاستقرار الاستراتيجي في منطقة الخليج

ينظم مركز الخليج للأبحاث حلقة نقاشية بعنوان :”الردع الموسّع والضمانات الأمنية وانتشار الأسلحة النووية: الاستقرار الاستراتيجي في منطقة الخليج”

نوع الفعالية: حلقة نقاشية

التاريخ: 4-5 أكتوبر، 2009

الموقع: مركز الخليج للأبحاث، دبي ـ الإمارات العربية المتحدة

سيتناول هذا المؤتمر بالرصد والتحليل المتعمّق دور الأسلحة النووية في دعم أو تقويض أمن منطقة الخليج. كما سيركّز على ثلاثة مفاهيم مترابطة: الردع الموسّع والضمانات الأمنية وانتشار الأسلحة النووية. ويهدف المؤتمر إلى تحديد الشروط اللازمة لضمان استمرار الردع الموسّع والضمانات الأمنية في تعزيز استقرار منطقة الخليج ومحيطها، كما فعلتا في الجزء الأكبر من الحقبة الماضية، بالإضافة إلى تحديد ما ينبغي فعله لتفادي انتشار الأسلحة النووية بين دول الخليج وجيرانها المباشرين والجماعات المتطرّفة التي تسعى للعمل هناك.

ظهرت فكرة الردع الموسّع في بداية الحرب الباردة. وعكست القلق المشترك للقوتيْن النوويتيْن العظمييْن من حقيقة أنّ انتشار الأسلحة النووية، كان قادراً على زيادة علاقاتهما تعقيداً وخطورةً. بالتالي، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عن استعدادهما لتوسيع نطاق حماية ترسانتيْهما النوويتيْن ليشملا حلفاء وشركاء كلٍّ منهما. وبدا القبول الواسع لهذه الفكرة مفاجئاً إلى حدّ أنّ مصداقيتها اعتمدت على رغبة الدول غير النووية، في الاعتقاد بأنّ القوّة التي تحميها ستعرّض نفسها، بالفعل، لأخطار مهلكة نيابةً عنها. كما ساد الاعتقاد بأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كانا مستعدّيْن للرد على أي هجوم نووي يستهدف أيٍّ من شركائهما في سبيل الحفاظ على سمعتيْهما ومصداقيتيْهما. بالتالي، ثبت أنّ الردع الموسّع كان مفهوماً راسخاً. وحتى الدول التي كانت قادرة على اكتساب تقنيات إنتاج الأسلحة نووية بسهولة قدّرت، عموماً، أنّ خطر امتلاك تلك الأسلحة كان أكبر من مخاطر الثقة في حماية القوتيْن النوويتيْن الرئيسيتيْن.

ودُعم الردع الموسّع بمنظومة ضمانات أمنية كان معظمها مألوفاً وتقليدياً: إعلان الدول المعنيّة عن استعدادها للتعاون في الدفاع بعضها عن البعض الآخر، والقتال جنباً إلى جنب إذا ما دعت الحاجة. لكن في العصر النووي، أُدخل شكل جديد من أشكال الضمانات الأمنية امتاز بأنه شمل الأصدقاء والمنافسين وحتى الخصوم أيضاً. إذ تعهدت الدول النووية الرئيسية بعدم استخدام أسلحتها النووية ضدّ أيّ دولة غير نووية، وذلك في مقابل تعهّد الأخيرة بعدم السعي لامتلاك السلاح النووي. وتقع هذه التعهّدات المتبادلة في صُلب نظام حظر انتشار الأسلحة النووية الذي تأسّس في عام 1968.

مع ذلك، لا يزال انتشار السلاح النووي تهديداً رئيسياً للاستقرار في منطقة الخليج العربي وأماكن أخرى من العالم. وحُدّدت هيكلية الردع الموسّع إبّان الحرب الباردة على أساس منطق المواجهة النووية. وباستثناء بضعة أطر محدّدة ـ كإطار حلف الناتو ـ لم تتطرّق هذه الهيكلية إلى التهديدات التقليدية. إذ رأى بعض الدول أنّ الأسلحة النووية كانت الردّ الأمثل على مثل هذه التهديدات. كما أنها لم تُطَمئن كثيراً تلك الدول التي ربطت المكانة والنفوذ بامتلاك الأسلحة النووية. وقد تعزّز هذا المفهوم بعدما رفضت الدول النووية، عموماً، التخلي عن ترساناتها النووية. أخيراً، أثار انيهار الاتحاد السوفيتي (ربما للمفارقة) شكوكاً في إمكانية استمرار مصداقية الردع النووي الموسّع الذي تقدّمه الولايات المتّحدة. فعندما كان هناك “مظلتان نوويتان” كان من السهل (أو المناسب، إلى حدّ ما) افتراض أنّ كل مظلّة كانت تغطي ما لا تغطيه المظلّة الأخرى. أما اليوم، فإنّ هناك مظلّة واحدة فقط يلفّ الغموض مداها والظروف التي قد تؤدّي إلى سحب حمايتها.

هذا المؤتمر يسعى لاستكشاف منطقية ووظائف الردع النووي الموسّع وضماناته الأمنية في منطقة الخليج العربي، التي قد لا تبقى خاليةً من الأسلحة النووية لفترة طويلة. إذ يسود الاعتقاد بأنّ إحدى دول المنطقة، إيران، تسعى جاهدة لتطوير ترسانة نووية. وقد أعلن العديد من القوى الخارجية، من الاتحاد الأوروبي إلى الصين، رفض هذا المسعى الإيراني المحتمل. ويُعتَقد أنّ اثنتيْن من الدول المعارضة لامتلاك إيران ترسانة نوويّة، هما إسرائيل والولايات المتّحدة، قد طوّرتا خططاً للتدخل العسكري المباشر ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، في حال فشل الدبلوماسية في وقف برنامج طهران النووي العسكري (الذي تنفي الأخيرة وجوده).

لا شكّ في أنّ مثل هذا التدخّل سيزعزع استقرار بقيّة منطقة الخليج بشكل كبير. وهذا ما ينطبق أيضاً على نجاح البرنامج النووي العسكري الإيراني. ومن الوارد أيضاً أنْ تسعى المملكة العربية السعودية، بوجه خاص، لتطوير رادع نووي مستقل خاص بها لموازنة ترسانة إيران نووية (وينسحب هذا على بعض الدول غير الخليجية، مثل مصر). وإذا بدت دول الخليج الأخرى أقل قلقاً من الرياض إزاء برنامج إيران النووي، إلا أنّها قد تفقد الكثير من ثقتها الحالية عندما يظهر احتمال وقوع مواجهة نووية سعودية ـ إيرانية.

وتتأثّر سياسة الأسلحة النووية أيضاً بسياسة الطاقة النووية السلمية. فاجتذاب الأخيرة لعدد من دول الخليج يبدو مريباً في نظر بعض المراقبين الذين يخشون أنْ تكون مثل هذه المشروعات، لا سيما عندما تُنفذها دول عائمة على محيط من النفط، مجرّد غطاء لتطوير أسلحة نووية. من الناحية التاريخية، لا توجد علاقة قويّة بين امتلاك الطاقة النووية السلمية وانتشار الأسلحة النووية ـ لكنّ طبيعة اهتمام الإيرانيين بالتقنية النووية لا تنسجم مع هذه الحقيقة التاريخية. في المقابل، أعلن عدد من دول الخليج العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، أنّ برامجها النووية لا تشتمل على تطوير قدرات محليّة لتخصيب اليورانيوم ـ بينما دأب الإيرانيون على رفض التخلي عن تخصيب اليورانيوم الذي يُعدُّ ركيزة أساسية لأي برنامج نووي عسكري. وكحدٍّ أدنى، سيُعقّد الاهتمام المتزايد لدول الخليج العربية بالطاقة النووية مهمّة اكتشاف الأنشطة النووية العسكرية ومنع انتقال التقنية والمواد النووييْن إلى أطراف غير حكومية في المنطقة.

هذا، ويسهم استمرار وجود الترسانة النووية الاسرائيلية في تشكيل مواقف دول الخليج إزاء الأسلحة النووية. فإسرائيل قوّة نووية منذ أواخر الستينيات. كما أنّ ظهورها الناجح كدولة نووية “غير معلنة”، رغم اعتراض الولايات المتّحدة والقوى الرئيسية الأخرى على ذلك، يُمثّل إهانة لباقي دول المنطقة ونموذجاً قد تحاكيه. إلى ذلك، نجحت إسرائيل حتى الآن في استخدام قوتها العسكرية لمنع جيرانها من تطوير أسلحة نووية. إذ دمّرت البرنامجيْن النووييْن الناشئيْن العراقي (1981) والسوري (2007) من دون عواقب تُذكر. واليوم، لا تُشكّك إلا قلّة قليلة في قدرتها على القيام بأعمال مماثلة في المستقبل.

على أيّ حال، ليست إسرائيل إلا إحدى الدول النووية الثلاث ـ بالإضافة إلى الهند وباكستان ـ التي أفلتت من نظام حظر انتشار الأسلحة النووية إبّان الحرب الباردة، والتي يؤثّر قربها من منطقة الخليج، حتماً، بمواقف دول الخليج من الأسلحة النووية. ويزداد هذا المشهد تعقيداً بسبب حقيقة أنّ هذه الدول الثلاث تتمتّع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتّحدة ـ فهذه الحقيقة التي قد تبعث على الاطمئنان تثير، في الوقت ذاته، شكوكاً في قدرة أمريكا على إدخال أجزاء أخرى من المنطقة تحت المظلّة الرادعة لترسانتها النووية، عند اللزوم. كما تثير هذه الحقيقة شيئاً من السخرية لأنها تعني أيضاً أنّ الدول التي تنجح في تطوير أسلحة نووية قد تخشى من الولايات المتّحدة أقل مما ينبغي، ذلك لأنّ معارضة أمريكا الشديدة لانتشار الأسلحة النووية تجعلها شديدة الحرص على عدم دفع مثل هذه الدول، إلى تصدير التقنيات النووية العسكرية إلى دول أخرى.

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولأغراض عملية، حمت كبرى الدول الغربية المستورة للنفط منطقة الخليج من التهديدات الخارجية. أما دافعا تلك الدول لتوفير الحماية العسكرية للمنطقة، فقد تمثّلا بضرورة تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، وتصميمها على حرمان السوفييت من ولوج المنطقة أو بسط نفوذهم عليها. ومع أنّ الدافع الثاني اختفى، إلا أنّ تدخّل روسيا الانتهازي الأخير في جورجيا أثبت أنها لا تزال تتمتع بحرية كبيرة في المناطق القريبة من حدودها. في المقابل، أصبح الدافع الأول أقوى من أي وقت مضى لكنّ الغموض يلفّ أنواع السياسات التي يستطيع دعمها بمفرده ـ أيْ بعد زوال التهديد الخارجي الواسع الذي كان يمثّله الاتحاد السوفياتي.

لذا، يهدف هذا المؤتمر أيضاً إلى تحديد كيف وإلى أيّ مدى يُمكن تعديل منطق وممارسة الردع النووي الموسع والضمانات الأمنية الثنائية والمتعددة الأطراف، لمواجهة التهديدات الراهنة والمستقبلية لاستقرار منطقة الخليج. ويبدو أنّ الاستراتيجيات العسكرية التي تستثني القوى الخارجية لا تستطيع الحفاظ على استقرار المنطقة أو احتواء القوى الاقليمية الناشئة، مثل إيران. في المقابل، أصبحت مجموعة الخيارات المتاحة أمام دول الخليج العربية، سواء في السوق أو على صعيد الشراكات الاستراتيجية، أكبر بكثير من أي وقت مضى. وهذا ما ينسحب أيضاً على مجموعة التهديدات التي تستلزم الردع. ولا ترتبط التهديدات القائمة والمحتملة فقط بإمكانية ظهور قوى نووية إقليمية جديدة، بل ترتبط أيضاً بضرورة منع نشوب نزاعات تقليدية ومكافحة الإرهاب والأعمال التخريبية والاضطرابات الداخلية. ومن المؤكّد أنّ الاستراتيجيات التي قد يتم تبنيها في المجال النووي لا يمكنها أنْ تتعارض مع متطلبات المجالات الأخرى الآنفة الذكر، التي تشتمل على تهديدات أصغر ولكنها وشيكة.

إعـداد مركز النزاعات المعاصرة بكلية الدراسات العليا بالأكاديمية البحرية الأمريكية، مونتيرييْ Monterey ـ كاليفورنيا ومركز الخليج للأبحاث، دبي ـ الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع كليّة كنغز بجامعة لندن ومؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، باريس وجامعة سالزبورغ Salzburg، سالزبورغ